أخبارثقافة

(لطيفة 3) صدمة رحيل (أم دبي)

في عاشر حلقات البرنامج الوثائقي الدرامي (قصتي)

دبي، الإمارات العربية المتحدة

سلام محمد

على مجموعة أوراق تحفل بالقيمة والثراء، تمددت سطور قصة «لطيفة 3» في كتاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً»، تلك الحكاية التي صاغها سموه بكلمات نابعة من الروح، فمن بين سطورها المغمورة بالحب، تطل تفاصيل العلاقة الإنسانية التي جمعت سموه مع والدته المغفور لها الشيخة لطيفة بنت حمدان بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراها. تلك السيدة اللطيفة التي تعودت في حياتها أن تنثر الحب والفرح على رؤوس أطفالها والجميع، فهي «أم دبي» صاحبة السيرة العطرة، التي أحبها الناس، وصُدموا برحيلها في 1983 فبكوا كثيراً على السيدة الحنون اللطيفة، رفيقة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه.

مشاهد بصرية مؤثرة، ترجمت سطور «لطيفة 3»، الحكاية السابعة في كتاب سموه «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً»، وشكلت جوهر الحلقة العاشرة من البرنامج الوثائقي الدرامي «قصتي» المستلهم من كتاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي تولى إنتاجه المكتب التنفيذي لسموه، فيما يعرض البرنامج على شاشات تلفزيون دبي ومنصاته المتعددة.

مكانة عالية

على نحو 8 دقائق، تمددت سطور «لطيفة 3»، فيها يفتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، صندوق ذكرياته، ويحدثنا عن علاقته بوالدته، ومكانتها العالية في قلبه، فهي مَن أحبها «أهل دبي»، حيث تعودت في حياتها أن تؤنسهم وتستمع إليهم وتداوي آلامهم، فبكوا كثيراً على فراقها. يقول سموه في مطلع الحكاية: «أمي، لطيفة بنت حمدان، أزعم مثل أي طفل أنني كنت الأحب إليها، ومن عظمة الأم أن كل طفل يحسّ بأنه الأقرب إليها».

الأم خيمة البيت، وعموده الأساسي، وسراجه المنير، و«من لم يذق حب الأم وحنانها لم يذق طعم الحياة»، هكذا يصف لنا سموه الأم في صورة بليغة، يزينها بكلماته النابعة من الروح، فيقول: «الأم تعبها يؤلمنا وحزنها يكسرنا، ومرضها يرهقنا، فكيف إذا فقدناها؟ كيف إذا رحلت وتركتنا؟ ألم رهيب، وفراغ عظيم، وإحساس باليتم وأنت كبير، ينهش روحك».

كان لرحيل المغفور لها الشيخة لطيفة بنت حمدان بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراها، في مايو 1983، وقع الصدمة على قلوب كل من عرفوها، وسمعوا باسمها، ذلك اليوم لم يكن هيناً عليهم، وكذلك على سموه الذي يصف لنا الموقف بقوله: «كنت خائفاً على والدي عند رحيلها. لم نكن نتركه دقيقة واحدة خوفاً عليه من عواقب تلك الصدمة التي تلقتها دبي بوفاة الشيخة لطيفة، أم دبي. كانت أمي تعالج مريضهم، وتداوي صغيرهم، وتواسي فقيرهم، وتسمع لنسائهم، وتشاركهم أفراحهم وأتراحهم».

ثلاثة عقود ونيف مرّت على رحيل المغفور لها الشيخة لطيفة بنت حمدان بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراها، ولا تزال رائحتها حاضرة في ذاكرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يقول: «ما زلت أذكرها وهي تبحث عني ليلاً إذا تأخرت، لتجدني أغط في نومي عند خيلي في الإسطبل. ما زلت أذكر علاجها واهتمامها بأول فرس لي، (أم حلج). ما زلت أذكر عطرها. أشم بخورها. وأعشق خبزها». ويضيف: «ما زلت أذكر آخر لقاء لي معها قبل سفرها إلى إنجلترا للعلاج. قبّلتها، ضممتها، احتضنت يدها. نظرت إليَّ وقالت: من مثلك. أبدت إعجابها بساعة يدي، ثم سافرت. فكرت في هديتي لها بعد عودتها. فقررت أن أعطيها ساعتي. أحسست بأنها تريد شيئاً مني معها. لكن أمي لم تعد. وساعتي في يدي لم أخلعها».

تفاصيل

«عندما يرحلون ينطفئ شيء ما في حياتنا وفي بيوتنا.. عندما يرحلون تتغير ملامح الطرقات والبيوتات والوجوه، حتى الطعام يتغير طعمه.. من مثل أمي؟ من مثل لطيفة؟»، وصف بليغ يبثه لنا سموه، بين ثنايا حكايته، بدا فيه وكأنه يتحدث بلسان كل أولئك الذين فقدوا أمهاتهم، اللواتي برحيلهن بدت البيوت وقد انطفأ سراجها. لذا لم يكن ذلك اليوم في مايو من عام 1983 يوماً عادياً، عندما جاء خبر رحيل الشيخة لطيفة بنت حمدان عن الدنيا، حيث حطت رحالها عند ربها. وبحسب تعبير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «كانت جنازتها مهيبة. بكى فيها الآلاف على أم دبي، الشيخة لطيفة بنت حمدان بن زايد آل نهيان». هنا يسرد لنا سموه موقفاً مهيباً: «نزلت معها في قبرها. ودموعي لا تتوقف، ثم خرجت من القبر. عند خروجي سقطت ساعتي بجانبها، فانعقد لساني من الصدمة. نظرت إليها ونظرت إلى ساعتي بجوارها، وألم فظيع يعتصر قلبي». ويتابع سموه: «كان أبي قوياً، نبيلاً، شامخاً بعد وفاتها، استدعى بعد عدة أيام السيد كمال حمزة، مدير بلدية دبي آنذاك، إلى منزلنا، ثم طلب والدي قلماً وكراساً من خادمه سلوم، وقال لحمزة اكتب! سأملي عليك وصية المرحومة. ثم انفجر بكاءً مراً أليماً. عقدت المفاجأة لسان كمال، فقد كان أبي أمام الناس، الفارس القوي العنيد، لم يكن أحد يتوقع أن ينهار هذا الجبل الشامخ، أعطوه كوب ماء، وذكروه بالله، حتى هدأ. ثم طلب منهم أن يكتبوا الوصية، وما إن بدأ، حتى انفجر ثانية بالبكاء بحرقة أكبر، وهو يردد وصية المرحومة، وصية المرحومة، وصية المرحومة».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى