أخبارثقافة

في فمي لؤلؤة في ندوة الثقافة والعلوم

دبي، الإمارات العربية المتحدة

سلام محمد

عقدت في ندوة الثقافة والعلوم جلسة نقاشية لرواية “في فمي لؤلؤة بحضور الكاتبة الشيخة ميسون القاسمي، والشيخة عائشة القاسمي، والشيخة هناء القاسمي، ومعالي محمد المر، وسعادة عبدالغفار حسين، وبلال البدور وعلى عبيد الهاملي وصلاح القاسم ود. رفيعة غباش، ود. حصة لوتاه، ود. مريم لوتاه، ود. شيخة الشامسي ود. عبدالخالق عبدالله ود. منى البحر والإعلامية بروين حبيب، ومريم بن فهد ولفيف من المهتمين.

قدمت الجلسة عائشة سلطان مؤكدة أن الكاتبة أديبة ذات تاريخ حافل ومكانة عالية في قلوب الجميع.. إذا ذُكرت تناثرت حول اسمها العديد من الألقاب والمسميات، لكنها إذ تختار من بينها تقول: لقد كتبت لأتحرر بالكتابة من كل شيء، لذلك فأنا بالكتابة أتحصن ضد النسيان، وأنا تحت مظلة الكتابة: ميسون صقر

وعرفت عائشة بالكاتبة بأنها خريجة العلوم السياسية من جامعة القاهرة، نادتها أصوات الشعراء الساكنين في أعماق جذورها.. فتبعت الأصوات، وصدحت بالشعر وكانت الشاعرة، لكنها لم تكن يوماً الظل أو الصدى لأي صوت، فقد اختارت الصوت الشعري الخاص بها.

وذكرت عائشة أن الكاتبة قالت لوالدها يوما “إن كنت قد قلت الشعر فلأنني أخذته منك، وإن كنت قرأت كتب النساء المتمردات  فقد قرأتها من مكتبتك، وإن كنت تمردت على الشعر فلم أفعل إلا ما فعلته..” لقد تمردت ميسون على أبوة الشعر وليس على الأب. وعلى هذا التمرد اتكأت لتصنع إرثها الشعري الخاص بها.

وذكرت إصدارات الكاتبة العديدة والمتنوعة بين الشعر والرواية والكتابة للطفل، بالإضافة إلى أنها فنانة تشكيلية، كما اشتغلت في الكتابة للسينما، وامتلك الثقافة العالية والوعي اضافك للشغف الذي دفعاها للعمل بجدية تامة فأضافت الكثير للجملة الثقافية في الإمارات ايام كانت تعمل في المجمع الثقافي بأبوظبي، وفي وزارة الثقافة وكان مجالها الكتاب وقطاع النشر، دون أن نغفل عن دورها في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات.

وقد كتبت أول رواية لها على طريقة السيرة الروائية عام 2000 تحت عنوان (ريحانة) ثم انتظرت وانتظرنا 15 عاماً لتقدم لنا روايتها الثانية (في فمي لؤلؤة) بعد سبع سنوات من القراءة والتأمل والبحث والتقصي في عالم الغوص واللؤلؤ وتاريخ المكان. وكانت روايتها (ريحانة) هي سؤال الذاكرة والتحولات التي طالت الإنسان في علاقته بنفسه وبالآخر من خلال سيرة (ريحانة وشمسة)، وأصبحت رواية (في فمي لؤلؤة) هي الإجابة على سؤال الهوية والانتماء والكتابة كمضاد للنسيان والعلاقة بالمكان وبالآخر.

“في فمي لؤلؤة ” رواية هذه الأمسية التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2017، وهي الرواية التي كتبتها ميسون لتعيد بها استحضار التاريخ: تاريخها وتاريخ المكان والمنطقة، بالبحث في حكايات الغوص والغواصين والرحالة الغربيين والمستشرقين وصولا لتوثيق البدايات والتحولات ومحاولات السيطرة. تقول الكاتبة في روايتها:

“من يفقد جذوره يصبح إنساناً عاماً، وأنا لست كذلك، ولست شوفينية أيضاً، لكنني أنتمي إلى مكان محدد”.

وذكرت الكاتبة ميسون القاسمي أنها ممتنة لوطنها الإمارات الذي أنتج هذا الكم من المثقفين والمهتمين، وأنها كتبت الرواية لانتمائها للمكان ولإحساسها إنها لم تتواصل معه حق التواصل، فروايتها الأولى كانت جزء من التعلم لمعرفة الوطن، ومثلت روايتها الثانية البحث عن الجذور التي تنتمي لها، لمحبتها للمكان ولأن ذاكرته وتفاصيله تعيش بداخلها، وكان الإنسان هو محور روايتها، وللمرأة الدور الأكبر في روايتها.

وأكدت أنها طوال بحثها في كتابة الشعر أو كتابة الرواية أو عند توثيق أعمال والدها الشعرية كان هاجسها البحث عن الجذور، التي هي جزء من تكوين كل إنسان، وخاصة المكان الذي تعرفت عليه بعمق عندما عملت في المجمع الثقافي وعند تعاملها مع أشخاص كثر.

وعن روايتها قالت إن  اللؤلؤة في الفم عندما تستدير تساعد على الحكي بشكل أكثر وأعمق، وعندما يكون هناك ماء في الفم لا نستطيع الكلام إلا بعد ابتلاعه وعندما تتوالي هذه الحالة من الابتلاع تتقطع الأنفاس كحالة الغواصين الذين كانوا يجازفون بحياتهم لصالح المكان، ورغم الألم في عملية الغوص وتاريخه العميق الذي كون لكل منا تاريخه، إلا أن الغاصة كانوا الأكثر تعباً ومرضاً وروايتها كانت محاولة للانتصار لهذا الغواص الضعيف الذي جازف بحياته من أجل المكان.

وعلق عبدالغفار حسين قائلاً أن الرواية استهوته لأنها ليست مجرد حكاية، بل تاريخ وعاطفة ومعلومات نادراً ما يطلع عليه ويعرفها الإنسان، فالرواية ترصد تاريخ اللؤلؤ، حيث عاشت الكاتبة معه منذ صغرها، وكان والدها رحمه الله يتغنى باللؤلؤ، وقد وصفها والدها في صغرها باللؤلؤة عندما حصلت على شهادة تفوق في سنواتها الدراسية الأولى فكتب فيها:

ميسون يا بوح الشذى          نشوان يا حلمي الخميلة

يا همسة الشط الجميل         يميد بالنجوى نخيله

إلى أن يقول

إن شئت صغت لك اللألئ      من أناشيد الفضيلة

أو شئت جمعت الزهور         كخير ما جادت خميله

وأكد عبدالغفار حسين أنه أو من كتب عن الرواية فور صدورها في حلقات لجريدة الخليج، ويعتبر الرواية من أفضل الروايات التي كتبها خليجي عن اللؤلؤ.

وركّز د. شكري المبخوت من جامعة زايد على ما تقوم عليه الرواية من نسيج حكائيّ متعدّد المستويات أبرزه حكاية تربط بين أجيال ثلاثة هي اجيل الجدة فالأم فالبنت شمسة وثانية تتّصل بحكاية الجدّة عن الغوّاصين التي واصلتها البطلة شمسة وثالثها حكاية مشروع بحث شمسة طالبة الأنتروبوبوجيا عن حياة الغوّاصين في الإمارات. وبهذا رأى ان الرواية مركّبة البناء ولكن الروائيّة استطاعت ان تجد الخيط الناظم بينها. وهو خيط يستشف من معنى الخسران والفقد والانكسار في مستويات الحكاية الثلاثة. فالعالم التخييليّ قائم على البحث عن القيم الأصيلة في عالم متدهور متغيّر فحاء البحث نفسه مفضيا إلى الخسارات. لذلك رأى فيها د. المبخوت رواية انهيار عالم قديم أكثر منها رواية الحنين.

لكنّ ذلك لم يمنع من أنّها رواية البحث عن الهوّيّة الفرديّة للراوية (المؤلّفة؟) والهويّة الجماعيّة لبلادها وأهلها التي تعيش بعيدا عنها وعنهم. فالاضطراب والخلل يمسّ بناء شخصيّة شمسة نفسها التي تحلم بكتابة تاريخ مضطرب غائم آخر مفعم بالألم والوجيعة والقهر ولكنها لا تكتبه على مقتضى البحث العلمي ومواصفاته بل على مقتضى الخيال والمعاشرة الوجدانيّة لشخصيّاتها.

وفي الحالات جميعا كانت رواية في فمي لؤلؤة حسب الدكتور المبخوت  رواية مثقّفة بما فيها من معارف دقيقة وأحينا موسوعيّة وتقدّم للقارئ في الآن نفسه معرفة انتروبولوجيّة عن الإنسان الإماراتي في الزمان والمكان بما يجعلها تربط بين الخصوصيّ المميّز والإنسانيّ في عمقه. لذلك لم يكن اللؤلؤ حاضرا في ذاته بقدر ما حضر باعتبار انّ وراء كلّ لؤلؤة قصّة لمعاناة الإنسان.

وعلق الروائي ناصر عراق عن الظاهرة اللغوية في إبداعات الكاتبة حيث تمتاز بامتلاك ناصية اللغة العربية، عباراتها لا قلق فيها ولا اضطراب، كل مفردة في مكانها، رغم بعض من الإطالة والاستطالة في وصف المشهد، لكن تنسيق العبارة تجعل المرء يسرق وهو يقرأ الرواية، التي كشفت عالم مدهش غير معروف، ومدى براعة الكاتبة في اصطياد اللغة فكانت الرواية قطعة من المتعة الأدبية واللغوية.

وأضاف د. صلاح قاسم أنه إلى الآن لم يكتب التاريخ بشكل كامل لأن الفاعل الأصلي ما تركوا مذكراتهم لأن الأغلب هو وثائق بريطانية فقط، وقد تحدثت الكاتبة عن الآلم وهذا طبيعي لأن لا تاريخ بدون ألم أو دم وهذا الجزء عن تاريخ الغوص وآلمه معتم في تاريخنا.

وأضافت د. رفيعة غباش أن الكاتبة ميسون القاسمي استطاعت حفظ التاريخ في رواية قد تغني عن عشرات من الكتب قد توثق تفاصيل تلك الحياة، الرواية مفاجأة جميلة لكاتبة تبحث بدأب عن تااريخ مجتمعها وتبحث عن توثيقه، وهذا العمل مع أعمال أخرى مشابهة لابد من توثيقها سينمائيا حتى ينتقل لشريحة أكبر ليعرف العالم أن المجتمع المرفه اليوم عاني وعاش حياة قاسية.

وذكرت الكاتبة زينة الشامي أن الجميع قد خاض في صلب الرواية وشخوصها وسؤوالها عن مقدمة الرواية وعن التصديرات والقصص التاريخية القصيرة التي اختارت الكاتبة أن تكون عتبة “للمغاصات الست”..

وأضافت زينة أنها رأت أن المقدمة فيها اختزالا لفكرة الرواية ولا تدري إلى أي حد توافق الكاتبة على هذه القراءة.. وأنها رأت في مقدمة الكتاب إقرارا بأن للموت جمالية وأن الغوص بما فيه تجسيد للعلاقة بين البحر والغواص.. عطاء وأخذ وحب وانتقام.. وبأن اللؤلؤ يمثل الحكمة والجلال والموت والبعث أو الحياة معا..؟

وكان سؤالها الثاني حول التصديرات ذات المرجعية المقدسة (الإنجيل والقرآن) أو ذات الصبغة الروحانية مثل أقوال جلال الدين الرومي وابن سيرين.. وحول القصص التاريخية القصيرة المتعلقة باللؤلؤ.. فلماذا اختارت هذه التصديرات وهذه القصص فاتحة لكل فصل من فصول الرواية؟

وذكرت د. حصة لوتاه أن الرواية تستعيد جزء من تاريخ المنطقة، وقد استوقفتها صورة الغلاف في الرواية، ولكنها ربطتها بمرحلة انهيار اللؤلؤ الحقيقي وظهور اللؤلؤ الصناعي والزخم الذي أحدثه للأشياء الزائفة من جهة والكساد من جهة أخرى، وتساءلت هل استعادة هذا التاريخ تطلب أن تكون خارج المكان حتى تجلى مرآة النفس الداخلية وتظهر فيها صورنا الحقيقية التي مرت عبر الزمن ونحاول استعادتها.

وأكدت د. مريم الهاشمي أن لمثابرة والتصدي للأنماط السردية بحث تسيل العبارات من تلقاء نفسها هو ما يثبت وجوده في رواية ” في فمي لؤلؤة ” ولكن لم تعد الخاصية الرئيسية للروائي هي المخيّلة فحسب كما كانت، فقد واصل الروائي الاختراع، فصار يبتكر لكل عمل خطة، وحبكة، وأصبحت الوقائع ليست إلا باعتبارها تطورات منطقية للشخوص ، والروائيين الذين يتمتعون بالجدية يبنون أغلب أعمالهم على ملاحظات سجلوها بتروّ – كما فعلت ميسون في روايتها – لنجد في فمي لؤلؤة الكثير من المعرفة التاريخية والسياسية والجغرافية، وهي يقينا رجعت إلى أنواع شتى من المصادر، واستعانت بالوثائق التي احتاجت إليها، لنجد وقائع العمل الروائي الانتظام التلقائي المنطقي. ونجد كذلك تداخلا بين الشخصية الروائية والشخصية التشكيلية الفنية في هذا العمل الروائي الذي برز فيه الحس الواقعي، وهو من خلال الشعور بالطبيعة وتقديمها بما هو عليه، ويعرف التشكيليون هذا الأمر جيدا، فيكفي وضع عدد من الفنانين أمام الطبيعة ليعبر عنها كل واحد منهم برؤية خاصة. فامتلاك الحس الواقعي  وحضور شخصية الكاتب كذلك – وهو ما كان طاغيا في رواية ” في فمي لؤلؤة ” -هو الثناء الأكبر والأكثر عدلا لهذا العمل الأدبي.

وأكدت الكاتبة فتحية النمر أن الشخصيات مرسومة بشكل جيد ومؤثر وقد تعاطفت معها كثيراً، وأن الكاتبة استفادت من كونها فنانة تشكيلية برسمها لوحات جمالية على ظهر السفينة لرحلة الغوص ومساحات الضوء والظل في مواقف ومشاهد أخر، كذلك امتازت لغتها بالشاعرية وجودة السرد.

وتساءل الإعلامي وائل الجشي بما أن الكاتبة شاعرة وروائية وفنانة تشكيلية فأيهما أقرب لها في الكتابة؟

وعلق معالي محمد المر أن رواية ريحانة أول أعمال الكاتبة كانت ذات شجن وإنسانية واعتبرها عند صدورها من أفضل الروايات الإماراتية، أن الكاتبة مبدعة ومن الأقلام الإماراتية القليلة التي يشهد لها.

وتساءل د. عبدالخالق عبدالله أن الرواية قاسية وفيها بعد قاتم، فهل فعلا كان واقع الغوص هكذا أم هو خيال الكاتب، خاصة أن هناك صورة رومانسية عن الغوص وجمال فترته؟

وأضاف لماذا كانت الكاتبة تكثر من رسالة الغواص الإنجليزي الذي كره الغوص وقرر العودة لبلاده؟ كذلك استخدام العامية الإماراتية والمصرية هل هو في صالح العمل الروائي؟

وأكد أن الرواية مركبة جزء منها سيرة ذاتية وبحثية، وجزء آخر عن تاريخ الغوص والمنطقة، 

وأكدت الكاتبة في الختام أن غلاف الرواية منفصل عن التمثيل المباشر للرواية، فالفن ليس ممثلا بتمثيل النص ولكنه فن موازي لداخل الرواية.

وعن التاريخ أكدت الكاتبة أنها تكتب التاريخ في سياق نص روائي جمال بعيداً عن الرأي في تاريخ لأن كل تاريخ يكتب بوجهة نظر مختلفة عمن قد يراه برؤية مخالفة، حين نكتب الرواية نكتب نصاً ونوظف التاريخ فيها بشكل مختلف قد لا يكون نصاً تاريخيا ولكنه توظيف للتاريخ.

وأضافت ميسون القاسمي أن مقدمة الرواية كما ذكر مقدمة تعريفية وكأنها توطئة للدخول للنص ومعرفة حول فكرة اللؤلؤ وتاريخه لشغفها بما كتب عن اللؤلؤ جمالياً وما كتبته هي عن الغواصين إنسانياً.

وأن كتبت الرواية انتماءً وحنيناً ورغبة في المعرفة. كذلك البحث في العلائق بين التاريخ السياسي والاجتماعي والوجود البريطاني في المنطقة وكثير من الأشياء، كذلك البحث عن الانتماءات للمكان والغواصين والمعاناة فلكل رواية خصوصيتها. ومع كل عمل روائي يتعرف الكاتب عن نفسه بشكل أكبر ويكتشف نفسه والمحيط من حوله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى