أخبارتقنيةثقافة

مستقبل الصناعات الثقافية في ندوة الثقافة والعلوم

دبي، الإمارات العربية المتحدة

سلام محمد

عقدت ندوة الثقافة والعلوم جلسة حوارية بعنوان “مستقبل الصناعات الثقافية” شارك فيها معالي نورة الكعبي وزيرة الثقافة والشباب، ودز عبدالله الغذامي أستاذ النقد والنظرية في كلية الآداب جامعة الملك سعود بالرياض والدكتور محمود الضبع أستاذ النقد الأدبي الحديث في جامعة قناة السويس بجمهورية مصر، وبحضور بلال البدور رئيس مجلس إدارة الندوة وعلي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس الإدارة ود. سليمان موسى الجاسم ود. رفيعة غباش وأسماء صديق المطوع ونخبة من المهتمين والإعلاميين.

أدارت الجلسة عضو مجلس الإدارة الكاتب عائشة سلطان مؤكدة أن معظم بلدان العالم تتجه للبحث عن الموراد المنسية أو المهملة بعد أن كان العالم برمته منذ الثورة الصناعية قد وضع كل اهتماماته وخططه في سلة الموارد الطبيعية المتوافرة من نفط وأراض خصبة وصناعات تحويلية ومعادن وغيرها. وتدريجياً عندما بدأت هذه الموارد في النفاذ بسبب الاستهلاك أو تجريف الطبيعة بدأ البحث عن الموارد البديلة والطاقة نظيفة، وكانت الصناعات الثقافية والإبداعية أحد هذه الموارد.

وأضافت ما هي استراتيجيات الصناعات الثقافية في الإمارات وآليات وزارة الثقافة والشباب، وماذا فعلت الوزارة لتطوير ما يسمى بالصناعات الثقافية.

وتساءلت لماذا كان مصطلح الصناعات الثقافية مرفوضاً من قبل الكثير من المثقفين الذين يرون أن الثقافة حالة رمزية وجمالية وليست منتج يوضع في الأسواق وقد اختلف الأمر اليوم، فما هي أهمية الصناعات الثقافية.

وأشارت إلى أن الصناعات الثقافية والإبداعية هي الأسرع نمواً في العالم حسب البلدان التي أخذت بهذه الصناعات، وأنها خيار إنمائي مستدام يعتمد عليه وسر استدامته اعتماده على موارد متجددة تتمثل في الإبداع البشري، وتساءلت كيف يمكن توظيف هذا الاتجاه ضمن مناهج التربية والتعليم “تربية الإبداع”.

أكدت معالي نورة الكعبي أن منهجية الصناعات الثقافية وفكرها متواجد في كثير من الدول أخذاً بمبدأ تنوع الاقتصاد وعدم اعتماده على مورد واحد.

وأضافت أن إدراك دولة الإمارات لأهمية الصناعات الثقافية جاء خلال العامين الماضيين، ففي عام 2018 كانت هناك خلوة في وزارة الثقافة بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وخلال هذه الخلوة ذكر سموه أن نركز على الاستدامة وكيف نخصص قطاع خاص للصناعات الثقافية والإبداعية في وزارة الثقافة، ويعتمد هذا القطاع على الفكر والابتكار والإنتاج والتوزيع والنشر والترويج وكل ما له صلة بالتعبير الإبداعي.

وأشارت معاليها أن الصناعات الثقافية والإبداعية تضم مجالات عدة منها التراث الثقافي والطبيعي والكتب والصحافة وفنون الأداء والاحتفالات والإعلام المسموع والمرئي والفنون البصرية والتصميم والخدمات الإبداعية.

وذكرت أن استخدام مصطلح الاقتصاد الثقافي لتأثير الاقتصاد الإبداعي في المنظومة الاقتصادية وقد استثمرت دولة الإمارات هذا المفهوم بشكل مكثف سواء في الحاضانات الثقافية أو المدن الإعلامية ومدن النشر أو المعارض وغيرها من فعاليات ثقافية سواء حكومية أو أهلية.

وبالعودة إلى الخلوة الثقافية عام 2018 والتي ذكرها فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وذلك أهمية الاقتصاد الثقافي والإبداعي وأطلق سموه مؤشر مساهمة الصناعات الإبداعية على الناتج المحلي لدولة الإمارات مما يسهم في قطاع الثقافة. لذلك تعمل وزارة الثقافة في إطار لتمويل هذه الصناعات وإطلاق المنتجات الثقافية حسب توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

وأضافت معاليها أن هناك قطاعاً للصناعات الثقافية بعد الدمج مع التشكيل الجديد وتم تحديث هيكل لوزارة الثقافة والشباب، ومنها الإعلام الذي يختص بهذا المجال بعمل التسهيلات والتشريعات وطرق التمويل، ولكل هذا مؤشر يجب أن نتكاتف لمعرفة التأثير والدور المناط بنا، وأن الإبداع الثقافي لا يحدد بنسبة معينة ولكن يجب أن يتزايد بشكل دائم.

وأكدت معاليها أنه يجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة لتساعد الوزارة والقطاع الاقتصادي والثقافي ليعرف المثقف والمبدع إلى أين تصل بنا الاستراتيجية، إلى جانب وجود بيئة تشريعية مدعومة بمحفزات وبرامج تمويلية، وأن لا يكون التمويل حكومي فقط ولكن بمشاركة الأشخاص والقطاع الخاص، لتأسيس مزيد من الحضانات الإبداعية التي تساعد على تطوير القطاع الإبداعي وتشجيع العمل المؤسسي من خلال الشراكة القوية بين وزارة الثقافة والشباب ووزارة الاقتصادي وهذا الاقتصاد سيسهم في توفير فرص عمل تساهم في الناتج الثقافي والمحلي في الوقت نفسه.

وأشارت معاليها أن الإمارات سجلت تسع عناصر تراثية في اليونسكو (الصقارة والسدو والتغرودة والعيالة والعازي والقهوة العربية والنخلة والرزفة والمجالس)، وبالنسبة للخط العربي تقود المملكة العربية السعودية ملف الخط العربي مع اليونسكو والإمارات والسعودية صوت واحد للهوية والثقافة العربية، والتسجيل في اليونسكو يؤكد الهوية ويحدد الملكية الفكرية للعنصر المسجل.

وأكدت أن دولة الإمارات دائماً ما تنظر للإحصاءات والتنافسية، فالصناعات الثقافية والإبداعية ليست متاجرة بالثقافة، ولكنها دعما لها، والإمارات تنظر للدراسات والأجندة الثقافية المتكاملة وما ستحدده المؤشرات في الصناعات الثقافية من موظفين ومواد ثقافية مصدرة (فنون إبداعات..) كذلك العمل على التشريعات التي تحمي الملكية الفكرية، والمرود المتحقق من المواد السمعية والمرئية، الاستراتيجية موجودة ولكننا نعمل على المؤشرات وبريطانيا نموذج قوي لتحقيق التنمية بالاقتصاد الثقافي والإبداعي من احتفالات وأوبرا ومنحوتات وغيرها، ونحن نمتلك الكثير من الخدمات الفنية والإبداعية والمنتجات التي تسهم في تحقيق تلك التنمية، ولكن في الوقت نفسه من خلال الاستراتيجية وبيئة العمل والموظفين والإمكانات والحوكمة التي تسهم في غرس ثقافة الصناعات الثقافية والإبداعية.

وحول الجائحة وأزمة كورونا أكدت معاليها أن وزارة الثقافة والشباب ركزت على تقديم المساعدات لكثير من المتضررين في الأزمة من خلال استبيان شارك فيه أفراد وشركات، وبعد تحليل نتائج الاستبيان تم الوقوف على حجم الخسائر وأسماء الشركات المتضررة، وقامت الوزارة بعرض الموضوع على سمو الشيخ منصور بن زايد، وبناء عليه تم تخصيص الميزانية التي كانت مخصصة لفعاليات لم يتم تنظيمها بسبب الجائحة إلى برنامج وطني لدعم المبدعين، وبعد وضع معايير لاختيار الشركات المتضررة من خلال حجم الخسائر والتعثر المالي والجهود المبذولة خلال الجائحة وسجل أعمال الفرد أو الشركة خلال العام 2019، ومن هذه المعايير وعبر مرحلتين تم تقديم مساعدات بما يقارب 5 مليون درهم استفاد منها اكثر من 140 مبدع أفراد وشركات، منحة الفرد 15 ألف درهم، والشركات تصل إلى 75 ألف درهم شهرياً، وذلك حرصاً على استدامة عمل هذه الشركات، والوزارة ستستمر في التواصل مع الشركات.

وأضافت من إيجابيات الجائحة أنها اتاحت الفرصة للقاءات افتراضية عدة مع كثير من وزراء الثقافة وكان هناك تبادل في الدروس والجهود التي قاموا بها في دعم ومساعدة قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية ومن البلدان التي نتشابه معها في الدعم كوريا الجنوبية والتي لها نشاط قوي في هذا المجال. وكذلك في كولومبيا وتختص بتعريف الصناعة الإبداعية والثقافية. وهذه اللقاءات اتاحت فرصة استخدام استبيان دولة الإمارات لدعم المبدعين في كثير من الدول لمساعدة مبدعيها. كذلك قامت الوزارة بالكثير من الأنشطة والفعاليات الثقافية عبر البرامج الافتراضية فلم نتوقف عن العمل.

وحول أهمية الصناعات الثقافية ذكر د. عبدالله الغذامي أن الواقع من بدء أزمنة الثقافة الأولى نجد أن الثقافة ارتبطت فعلياً مع الاقتصاد من خلال العطاءات التي تمنح للشاعر على سبيل المثال أو استخدام الشاعر في الصراع باعتباره أداة، وكذلك النحات الذي كان يصنع الأصنام، فالإنسان منذ عهده الأول تعلم حيل ليعتاش وينتفع بها صنع أشياء بسيطة ثم أخذ يتفنن فيها حتى يزيد استثماره وهذا ما نراه في كثر من المعابد المصرية أشكال فنية مبهرة صنعها حرفيون باعوا الجمال والفن إلى الآخر، فالإنسان منذ الأزل تعلم أن يكسب من كل ما يجلب مكسب بما فيها الثقافة. وحتى في العصر العباسي نجد الكثير من المؤلفين تم استكتابهم من قبل أمراء وممالك. وحتى في أوروبا نجد أن شكسبير مثلا كان يكتب مسرحياته ليسدد ديونه ويعيش، وحتى هوليوود التي استخدمت الصناعة واستثمرت الملاحم القديمة في العالم كله وجعلتها بضاعة وقيمة اقتصادية ضخمة.

وأشار أن الوقت الحالي جاء بنوع من الرأسمالية المتعمقة في الثقافة فقديما كانت الاحداث تلقائيا، ولكن الآن هناك استراتيجيات بغرض تحقيق مردود قوي، مثال منح جائزة مثل البوكر التي بدأت من خلال الناشرين لتنشيط مبيعات الروايات وقد وضعت القائمة الطويلة المكونة من 36 رواية ليزيد بيعها في الأسواق ثم تأتي القائمة القصيرة أيضاً لتحقق مزيداً من المبيعات. هذا هو الاقتصاد الثقافي وجذب المال إلى الفكر، وترويج العمل الأدبي الذي قد يكسد سوقه. وكأيذا الأعمال التي تتحول إلى مسلسلات والصراع على مسلسلات رمضان وهي علاقات قديمة كانت غير منظمة ولكنها الآن منظمة ومبرمجة وهي ثقافة تحولت إلى صناعات.

وأكد أن وجود الدول كشريك استراتيجي مع المؤسسة الفكرية التي كانت مبعثرة ساعدها على الأخذ بالانتظام لتصبح جزء من اقتصاديات الثقافة ومن رسم القيمة المعنوي لدولة من الدول، فمثلا مصر دولة عريقة سياحياً وسباقة، وبدأت منطقة الخليج في العقود الأخيرة تدخل في السياحة العالمية وأصبح هناك قيمة سياحية أكبر وأصبح لوزارة السياحة قيمة اقتصادية مضافة.

وأشار د. الغذامي أن المملكة العربية السعودية مع رؤية 2030 تتجه للشباب لتسلك طريقها للمقدمة، بصنع محفزات غير تقليدية لتشجيع الصناعات الإبداعية، وذلك عبر وسائل التواصل الحديثة يقوم الشباب والشبابات بعمل برامج وأفكار وقامت قناة MBC بالحصول على تلك البرامج وبثها لتهيئة وتسهيل الفرص لهم للدخول في التنافسية ومنحهم فرصة الصدارة والتحقق. فالمؤسسات الثقافية لو وصلت لإتاحة الفرصة للمبدع عبر التنافسية والمجانية للانفتاح وتحفيز الطاقات الإبداعية بعيداً عن الثقافة الموجهة أو المؤدلجة ستحقق الكثير من الإنجازات. وأكد على أن وزارات الثقافة لابد أن تتيح الفرص ولا تصنعها، تكون محفزاً للمبدع وتفتح له الأفق لتحقيق صناعة ثقافية ومنتج ثقافي وطني نطمح له من خلال تعدد العقول والأفكار.

وعن تربية الإبداع أشار د. محمود الضبع أشار أن مفهموم الصناعات الثقافية لم يصل بعد للمتلقي العربي باعتبار أنه حقل جديد على مستوى التنظير وإن كان تطبيقيا موجود في مراحل ما قبل ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية، فكل شعب لديه جملة من العناصر التراثية المكتسبة على مر العصور، وهذه العناصر تمارس على شكل حرفة أو صنعة أو مهنة وسنجد في كل دولة ما يقارب ألف عنصر ممكن أن يدخل في الصناعات الثقافية، وهناك شروط أربعة لإدراج الحرفة أو الفن أو الممارسة الشعبية ضمن الصناعات الثقافية وهي: أن تكون له خصوصية ثقافية (وأن تكون له أسبقية التسجيل في اليونسكو ليحسب العنصر ملكاً للدولة)، ورمزية ثقافية تدل على هذا الشعب لا شعب آخر، وأن تكون قابلة لإعادة الإنتاج في المفهوم المعاصر بمفهوم صناعة المحتوى (أن ينتج بشكل مكتوب ومصور ومرئي ومسموع..) أي كلما كان العناصر قابلا للإنتاج بكافة الأشكال كان هذا العنصر ضمن الصناعات الثقافية.

وأكد على أن كل شعب عربي يمتلك ما يصلح أن يكون صناعة ثقافية ولذلك لابد أن تنشئ كل دولة خارطة ثقافية تحدد العنصر الثقافي وأماكن تواجده ومن يعمل عليه، لتساعد المنظمات الدولية إذا أردت تبني صناعة ما على معرفة مكانها ومصدرها.

بالإضافة إلى أهمية الوعي العربي بالصناعات الثقافية والإدارك بأهميتها، وأشار إلى فن الخط العربي الذي يغزو أوروبا منذ قديم الزمن حتى الآن لم يسجل، هناك حاجة إلى دعم الوعي العربي بأهمية الصناعات الثقافية، واستثمار وسائل التواصل الاجتماعي والدمج بين مكتبات المستقبل ومواقع التواصل لدعم الوعي العربي وتوجيهه لأهمية هذه الصناعات وذلك لوضع رؤية مكتملة لتلك الصناعات من وزارة ثقافة وجمعيات ومكتبات وطنية والأفراد من مثقفين ومفكرين ومهتمين لكي يتم استثمار هذه الصناعات الثقافية من انتماء وولاء أولاً، وقوة ناعمة تكتسب دعماً من مختلف الدول.

وأشار أن تسجيل العناصر التراثية في اليونسكو مهم نتيجة للحروب المتلاحقة التي عاشتها الكثير من الأقطار ما أدى إلى تهديد تلك العناصر وتعريض بعض الأثار للدمار، فبدأت اليونسكو بحفظ التراث المهدد بالأخطار وتسجيل العناصر العناصر التراثية وحقوق الملكية الفكرية له.

وأضاف بلال البدور أن اتفاقية حماية التراث اللا مادي وقعت عليها الإمارات، وفي اليوم الختامي لمناقشة الاتفاقية كانت أمريكا رافضة لاتفاقية حماية التراث اللامادي، ويعتبر تسجيل التراث حماية للتراث العالمي في كل دولة، وبالنسبة لفن الخط العربي خطوة جيدة لتقديمها لليونسكو وتعتبر الإمارات لها حق السبق في هذا المجال من خلال المعارض السنوية في أبوظبي والشارقة ودبي ومجلة حروف عربية المجلة المتخصصة في مجال الفن العربي والتي وصلت للعدد خمسين وهي مجلة دورية تصدرها ندوة الثقافة، وشكر المملكة السعودية لاهتمامها بهذا الملف.

وبالنسبة للصناعات الثقافية أكد أن هناك الكثيرمن المنتجات ليست لها حماية مثل فانوس رمضان المصري الأصل والذي أصبح يصنع في الصين وكذلك الدلة الإماراتية، لذلك من المهم التشارك بين وزارة الثقافة ووزارة الصناعة ووزارة التنمية لحماية التراث، وهناك حاجة لكثير من الجهود لحماية الصناعات الثقافية.

وتطرق علي عبيد الهاملي إلى أن الصناعة الثقافية ليست بمفهوم جديد ولكن ربما كانت بحاجة إلى وضعها في إطار مؤسسي، وحول دعم المبدعين قدم التحية لمعالي الوزيرة نورة الكعبي لأن دولة الإمارات أول من تنبهت لدعم مبدعيها وكانت مبادرة رائدة، لأن كثير من المبدعين تأثروا بتلك الجائحة وبادرت الوزارة بتخصيص صندوق دعم المبدعين.

وبالنسبة للخط العربي، ومن واقع رئاسته لتحرير مجلة حروف عربية التي تهتم بالخط والخطاطين العرب أكد ثناؤه لدور السعودية في إدراج ملف الخط العربي في اليونسكو من خلال المملكة العربية السعودية لأن هناك محاولات عديدة لتغيير مسمى الخط العربي إلى الخط الإسلامي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى