تربينا على الأصالة والشدة والرجولة وعدم اللهاث وراء الموضة والتقاليع الجديدة و حركات الميوعة التي تزخر بها قنوات التواصل الاجتماعي و التي حولت بعض ضعاف النفوس الى مشاهير وهم من أشباه الرجال وعجائب النساء فاصبحوا قدوة للمراهقين والمراهقات
تلك الفئة الاجتماعية التي تمثل سلاحاً ذو حدين ؛ إما أن تكون رأسمالاً بشرياً فى المجتمع يمكن تعظيم الاستفادة منه إذا ما استغل استغلالاً كاملاً وسليماً ، وإما أن تكون هذه الفئة نذير خطر داهم يتربص بالمجتمع دوما … وبالتالي تهديده وتدميره ، وللأسف البعض يصفق ليظهر من يعجبه نعومة هؤلاء الشواذ مدمراً قيمنا دون حياء ، فى الوقت الذي اخترقت فيه وسائل التواصل الاجتماعي جميع مجالات الحياة ، وأصبحت من الممارسات المستحسنة وسُنة من سُنن الحياة لدى تلك الفئة من الشباب إلى أن أطلق عليهم ” الجيل الافتراضى” أو “الجيل الرقمي “
هذا الأمر يؤثر أثراً سلباً على الشباب فيما يتعلق بهويتهم الثقافية وقيمهم وسلوكهم .ورغم هذا نفترض أن الشباب ليسوا جثثاً هامدة لا حراك لهم ، وإنما هم يتفاعلون مع ما يتلقونه من رسائل محلية وخارجية من خلال وسائل التواصل بمعنى أنهم يختارون ، وينتقون ما يناسبهم وخصائصهم ، ويبعدون عن ما لا يليق بهم وخصائصهم لأنهم مستوعبون للتوجهات القيمية الموجودة فى البيئة الاجتماعية التي تنعكس في استعدادات شخصيتهم النفسية وذواتهم الاجتماعية ، ويرجع هذا إلى عوامل التنشئة المختلفة وهى (الأسرة – المسجد – الأصدقاء – والشارع … ) فتلك العوامل هى عوامل دفاعية أمام أي تأثير سلبي مفترض لوسائل التواصل الاجتماعي
نعرف أيضاً أن من خصائص تلك الفئة الاجتماعية ( المراهقين ) التمرد على الوضع الراهن وعدم الاستقرار النفسي والنزعة إلى الاستقلالية والإقبال على كل ما هو جديد والتعمق فى المحاكاة والتقليد لما هو غريب كذلك فهو أكثر الشرائح الاجتماعية حيوية وتمردا وإبداعاً ، لذا فهم معرضون للسلوكيات غير السوية أكثر من أى شريحة اجتماعية أخرى .فبعض القيم التى اكتسبها الشباب فى صغرهم قبل تعرضهم لوسائل التواصل الاجتماعي هي ما زالت راسخة فى وجدانهم قد يكون بعضها خاملاً ، لكن معظمها يقظ بفعل البيئة الاجتماعية فهى تختار وتحدد سلوكياتهم وتراقبها ، هذا يؤكد على أن عملية التنشئة الاجتماعية للشباب عملية هامة فلو كانت تنشئتهم سليمة ، وتحصيلهم التربوي والتعليمي جيد ، ووفق قيم المجتمع وثقافته وهويته التي يتميز بها دون المجتمعات الأخرى ، وإذا كان هناك قصور فى عمليات التنشئة والتعليم فإن ذلك ينعكس فى قيم الشباب وسلوكياتهم ، فهناك علاقة ترابط بين أنماط القيم على اختلاف أنواعها ومصادر التنشئة المختلفة المصدرة للقيم ،
وهناك مصادر تنشئة أخرى كوسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام أو أمام التنشئة التلقائية في الشارع أي السلوكيات التي تظهر فى الفضاءات الخارجة عن الإطار الاجتماعي إلا وكانت هذه الأجيال حاملة لأنماط ذهنية وسلوكية تتناقض والقيم السائدة فى المجتمع .فهنا ينبغى التأكيد على أن القيم الاجتماعية تنبع من إرهاصات تاريخية واجتماعية تختلف باختلاف المجتمعات والثقافات فهذه القيم فى المجتمع تنبع من (عالم المجرد) أى (المعتقد الدينى) وهي التى تضمن تماسك المجتمع وتجانس وحدته لكنها لا تتجسد وتكون ملموسة فى سلوكيات الشباب إلا إذا كان هناك سياسة بعيدة المدى لدى الأسرة أو المدرسة وكذلك المسجد وغيرها من المؤسسات الاجتماعية التي تساهم فى ترسيخ وتنمية القيم اًلأصيلة لدى الشباب – عليها تدرس بواقعية الإمكانات وتضع الخطة الاستراتيجية وتستغل كل الأدوات لترسيخ وغرس تلك القيم الأصيلة لدى الشباب والنشء
وهنا ندق ناقوس الخطر إذا كانت معايشة تلك الشريحة العمرية الاجتماعية للقيم تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي فهناك ترابط مفترض بين القيم وسلوكيات الشباب ووسائل التواصل الاجتماعي هذا الترابط الذي يمكنه من صناعة مضامين بصورة تجعلها مقبولة لدى أفراد المجتمع ( شباباً كانوا أو غير ذلك من فئات عمرية اجتماعية أكبر ) وتسمح لهم بالتماهي معها، وبتعزيز قيمهم ونمذجة سلوكهم والتكيف مع محيطهم ولا يشعرون بالاغتراب ، هنا تبدأ وسائل التواصل الاجتماعي فى ترسيخ مفاهيم وقيم خاصة بها وتتفرد بها و تعتمد على القيم التى تنشأ فى الفضاءات غير الخاضعة للاطار الاجتماعي ، وبالتالي تظهر شخصيات غير مألوفة على قيمنا الأصيلة بسلوكيات لا تنسجم مع القيم المجتمعية ذلك لأنها سمحت بتكوين صورة صنعت بمضامين مغايرة عما تحمله القيم الأصيلة من مضامين ، والتى أصبحت مقبولة تلك الفئة العمرية وقد تجتذب فئات عمرية أعلى ما يجعلهم قدوة لتلك الفئات العمرية .فى هذه الحالة تظهر مضامين بعيدة عن قيم الشباب وتظهر أنماط حياة وأنماط استهلاك من شأنها أن تحدث لديهم تطلعات وهم فى أغلبهم يفتقدون المؤهلات التى تساعدهم على الانتقاء
فعلى سبيل المثال قد يرى فئة الشباب أن مظاهر الثروات المكتسبة بطرق غير مشروعة لا يحتاج إلى مهارات أو معرفة مما يفقد الشباب الثقة فى التعليم كوسيلة حراك اجتماعي ، وبعضهم قد يدخل فى دائرة الانحراف بسبب الثراء السريع والتشدد الديني والغلو والتطرف ، وهذا قد ينشأ نتيجة صناعة مضامين قيمية ومعرفية خاصة بوسائل التواصل الاجتماعي ، وظهور نماذج عديدة تؤكد لهم تلك القيم .وبالتالي تصبح قدوة لهم يحاولون الاحتذاء بها فى سلوكياتهم ليظهر ما يسمى سلوكيات القطيع
هنا نؤكد على أن السلوكيات غير السوية التي تنتج عن المراهقين والشباب هى متفاوتة الخطورة وفى كثير من الأحيان تنسب هذه السلوكيات غير السوية إلى فقدان الشباب لقيمهم ومعاييرهم الاجتماعية ، والبعد عن من هويتهم الأصيلة إضافة إلى تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية ( الاسرة ،؟ المدرسة …الخ ) ، أيضاً نؤكد على محاولة تدريب الشباب والمراهقين على إمكانية توظيف قدراتهم الفكرية حتى يتعلموا من وسائل التواصل الاجتماعي النماذج السلوكية التى تتلاءم مع الهوية والثقافة المجتمعية وكذلك اكتساب المهارات الأخلاقية التى ترتكز على الدمج بين التقنية والثقافة مما يتيح لفئات الشباب الابتكار والإبداع فى إطار خصوصياتهم الثقافية والتوجه الأخلاقي
إضافة إلى أنه ينبغى إجراء الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي على عينات من طلبة الجامعات المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعى حتى يمكن تحليل القيم الخاصة بالشباب مثل (الطموح – النزاهة- احترام الذات- الأمن العائلي – الأمن الوطني – المرتبة الاجتماعية- التقوى، وغيرها من القيم ) والسلوكيات الناتجة عنها بصورة أكثر تعمقاً حتى يمكن الوصول إلى توصيات تسهم فى ترسيخ القيم المجتمعية الأصيلة التي تعزز المواطنة والولاء والعطاء والمصداقية والتضحية والروح الوطنية ، وتضفيها على المجتمع ومن يعيشون فيه .