تعتبر الإدارة أحد الأركان الأساسية لاستمرار المؤسسات ؛ حيث تقوم الإدارة على ثلاثة جوانب أساسية هى : المنهج والأجهزة والقيادة .فالمنهج يمثل فلسفة أو نمط محدد من الإدارة ، والأجهزة هي التي تبلور تلك الفلسفة وتكون بمثابة الإطار العام الذى يحويها ، أما القيادة فهي العامل المؤثر فى المؤسسة باعتبارها عامل اتصال وتنسيق بين الجوانب السابقة .ولا ريب فى أن القيادة لها أهميتها الخاصة فى المؤسسات الخدمية فقد أثبتت الدراسات أهمية القيادة فى توفير مقومات نجاح منظومة الإدارة ، فهناك العديد من المؤسسات كانت ضعيفة وتحسنت بفضل الإبداع القيادي ، وكم من منظمات تعثرت بعد أن كانت تحقق الريادة -رغم توافر جميع الإمكانات المادية والبشرية- بسبب تغيير قائدها المبدع .
فاذا تطرقنا الى تعريف الابداع الادار ي فهو : “عملية تؤدي إلى زيادة القدرة على تحسين الأداء وزيادة المنفعة للمؤسسة ، فالإبداع ليس علم أو تكنولوجيا بقدر ما هو قيمة يتم معرفتها من خلال أثرها فى المحيط الداخلي والخارجي للمؤسسة” .
وحتى يكون القائد مبدعاً ، ويتمكن من تطبيق أسس الإدارة بنجاح ينبغي أن لا يحتفظ بنفس المهارات الإدارية القديمة ، فلابد أن يكون مستعداً لإحداث التغيير الإيجابي ، ولديه القدرة على استحداث الاستراتيجيات وتحديد الأهداف الاستراتيجية بدقة ومستعد دوماً للتشارك من مرؤوسيه على مختلف مستوياتهم الوظيفية فى اتخاذ القرارات الإدارية التي تصب فى صالح المؤسسة ، وتحقق أهدافهم الشخصية كذلك ، فنجاح أو فشل أي مؤسسة يكون نتيجة مباشرة لفعالية القائد والتزامه ومواقفه تجاه إحداث التغيير داخل إدارته ،
والمقصود من التغيير هنا هو ذلك التغيير الممنهج. فالقيادة ينبغي أن تؤكد على المحددات الإدارية التي بإمكانها أن تحول نقاط التحسين إلى قوة وتدعم نقاط القوة مثل : الثقة والالتزام الإداري وإشراك المرؤوسين فى صناعة القرار ، وإشراكهم أيضاً فى التحسين المستمر لأن الإبداع يعتبر مستقبل أي مؤسسة ، وبدونه لم يمكنها الدخول إلى هذاا لمستقبل مهما كانت إمكاناتها المادية والبشرية وخبراتها ، لأن الابداع يعني المقدرة على إنشاء علاقة بين المؤسسة ومحيطها الدخلي والخارجي (الموظفون والمتعاملين) ،
كما أن الإبداع معناه التغيير والتمكين والتركيز على أكثر من مكون من مكونات الموارد البشرية والذي يعتبر أساس العملية الإبداعية التي تسعى المؤسسات إليه لتحقيق التميز المؤسسي فى الأداء . وتعد القيادة الإدارية أحد اهم المحددات الهامة فى حياة أي مؤسسة إذ أنها تلعب دوراً رئيسياً فى تشجيع الموظفين ومشاركتهم وتفويضهم ، فإذا كانت ثقة الموظفين بالقيادة غير موجودة فإن ذلك يعتبر انعكاساً سلبياً نتيجة لسلوكيات القيادة فى المؤسسة ، على سبيل المثال إذا اعتقد الموظفون أن المدير وصل لوظيفته لاعتبارات الوساطة والمحسوبية أو أنه تقييمه لأداء موظفيه يعتمد على الذاتية المريضة ، وليس الموضوعية فإن ذلك يكون مؤشر على أن هذه القيادة ليست جديرة بالمنصب ، وبالتالي لم يكن هناك فرصة لأي إبداع داخل المؤسسة . فالقائد الإداري الذي يبحث عن أي شئ يسيء إلى موظفيه ولا يعتبر نجاحهم الإداري من نجاح المؤسسة هو قائد فاشل فى المؤسسة ، فى حين أن فرق العمل التي يمكن أن يشكلها القائد المبدع من الموظفين هى فرق ذات أداء إبداعي مرتفع ، ويكون هذا بفضل دعم القيادي لهم ، والتركيز على الأهداف وبناء الفريق وتسهيلات العمل .ونتوقف هنا عند نقطة هامة ألا وهي (دعم القائد المبدع) فلن يكون هناك إبداع من قبل القائد بصورة فعالة إلا عندما يشعر بدعم ومساندة من الرؤساء والمرءوسين معاً ، ولهذا فعلى القائد أن يعتمد صيغة الفريق (تعاون الموظفين) من منطلق قناعة الجميع بأن (المشروع) يعود بالنفع على المؤسسة ويستحق مثل هذا الاهتمام والدعم والتعاون ، إضافة إلى أن القائد الإداري المبدع يحتاج دائماً إلى وضوح الرؤية المؤسسية ، بحيث تكون الأهداف واضحة لكل موظفي الإدارة بما فيهم القائد نفسه ، وهنا إبداعه يتجلى فى فعالية أدائهم والعمل على تطوير الأهداف وإيجاد أساليب جديدة للعمل ، فكلما كان هناك رؤية وأهداف مؤسسية واضحة ، كلما كان هذا أكثر فاعلية فى تسهيل عملية الإبداع ، على النقيض من ذلك حين تغيب الرؤية المؤسسية ولم تتضح الأهداف ينعكس هذا على تدني الروح المعنوية وروح الإبداع ويعتبر معوقاً يمنع الموظفين من ممارسة الإبداع فى النشاطات الإدارية ، كما أن التشارك الايجابي عنصر من عناصر الإبداع . فالمشاركة هي من الأمور التي يلجأ إليها الموظفون لكى يحموا أنفسهم من المخاطر فى عملية اتخاذ القرار ، هنا يلجأ الموظفون إلى الرؤية الجماعية بهدف الحماية الجماعية من المسئولية ومن ثم فإن مستويات المشاركة المرتفعة بين الموظفين فى اتخاذ القرار له علاقة قوية بمقاومة أقل للتغيير ومستوى مرتفع من الإبداع
القائد المبدع يهتم بالأفكار والاقتراحات المقدمة من المرؤوسين والإنصات لهم باهتمام ، فينبغي انفتاح الرؤساء للاقتراحات المقدمة من الموظفين حيث أنها تبث الثقة بالنفس لديهم وهذا مايعطي انطباع لدى الموظفين بثقة القائد فى قدراتهم على أداء عملهم دون الحاجة إلى رقابته عليهم أو التجسس عليهم – حالات مرضية ممارسة – ، هذا مع تحديد برامج زمنية لتنفيذ وبلوغ الأهداف المتوخاة. والقائد الإداري المبدع هو من يخلق التنافس ويحفز على الاتصال فيما بينه وبين موظفيه خارج وحداتهم التنظيمية لتبادل الآراء والاقتراحات والأفكار ، فهذه السلوكيات القيادية تعتبر مؤشراً إيجابياً يدعم الإبداع داخل الإدارة . إن القائد المبدع هو من يخلق المناخ المناسب الذي يمكن المؤسسة من تطوير خدماتها لتلبية متطلبات ورغبات المتعاملين والقدرة على تحقيق أهداف التنمية الادارية – او النمو المؤسسي المستدام – التي تسعى إليها المؤسسة من ناحية أخرى ، فالقيادي المبدع يستطيع أن يساهم فى إنتاج فكرة جديدة أو خدمة جديدة أو أسلوب عمل جديد أو سياسة جديدة ، وقد يتضمن ذلك إجراء التغييرات المناسبة لكي تكون الخدمة المقدمة بمواصفات وخصائص متميزة لم يشهدها المتعاملون من قبل .إذا، القيادة القادرة على العمل بأكبر طاقة ممكنة مع مرونة فى الأفكار وجمع والمقترحات والابتكارات وتبنيها ودعمها وترويجها داخل المؤسسة وتطبيقها ، والقادرة على البحث عن مصادر لتغيير الفكرة وتحويلها إلى مجال تجاري أو اقتصادي مادي مستخدمة فى ذلك مهاراتها الاستكشافية وأصالتها الفكرية وقدرتها على الإقناع فى إطلاق حماس الموظفين للإبداع هى قيادة مبدعة .
واذا ما تطرقنا الى خصائص القيادة الإدارية المبدعة نراها كالتالي :
• دعم المؤسسة التى ينتمي إليها . فالابداع يحتاج إلى ثقافة التعاون والمشاركة فى الرؤية .
• الاعتراف بجهود الموظفين الإبتكارية .
• إنشاء آلية لتعزيز وتحفيز وتطوير الأفكار الابداعية .
• تقنين وتقليل العوائق الإدارية التي من شانها تأجيل الإبداع وتراجعه كالمشاكل الناتجة عن السياسات والإجراءات الإدارية .
• وضع حدود للمنافسة الإدارية السلبية والقضاء عليها .
• إظهار الاهتمام والثقة والدعم لمرؤوسيه ويعمل على تقييم مساهماتهم الفكرية بما يعزز الإبداع .
• تحييد المرؤوسين السلبيين- المتذمرين – الذى يحاربون التغيير الإداري فهم من شأنهم تراجع عملية التفكير الإبداعي .
• دعم الوصول إلى الموارد المعلوماتية التي تسهم فى تفعيل عملية الإبداع .
• توفير بيئة لممارسة التفكير الإبداعي خالية من المبالغات والضغط الزمني
• شعور الموظفين بالحرية فى اتخاذ القرارات الخاصة بإجراءات العمل (الإجراءات التى يمكن أن يقوموا بها لتنفيذ مهامهم الوظيفية بالإدارة)
• توفير التواصل بشكل مستمر بما ينعكس على التعاون والعمل التشاركي ، فهذا التواصل يوفر مناخ مناسب لدعم الأفكار الإبداعية ومن شأنه أن يكون فضاء لتبادل الأفكار مما يجعل العمل أكثر متعة وجدية .
من المهم جداً أن تكون للقادة نظرة استراتيجية بعيدة المدى تشمل التركيز على مخرجات الإدارة الاستراتيجية ، وليس التركيز على المهام الوظيفية والتعمق في تفاصيلها وفتح اجتماعات وجلسات تحقيق بشأنها …، فلا ينظر إليها نظرة مهمة بمهمة أو وظيفة بوظيفة لأن هذا ليس فى صالح الإدارة ولا الموظفين ولا المؤسسة بل ينعكس هذا سلبا على الاداء المؤسسي العام من خلال تدني وانخفاض اداء الموظفين وشعورهم الدائم بالاحباط وعدم الابداع والتجديد .