الإطار القانوني والتشريعي لسوق الأوراق المالية ضمانة أساسية لمواجهة ظاهرة “المحافظ الوهمية” ومعالجة تداعياتها السلبية
دبي الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
نتيجة التطور الهائل الذي لحق بوسائل الإعلام والاتصالات المتعددة وخصوصاً الإنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي تزايدت في السنوات الأخيرة معدلات الاحتيال الإلكتروني في مجالات عدة؛ من بينها ما يتعلق بالمسابقات الوهمية التي تعد بأرباح خيالية، والأدوية غير المرخصة أو المغشوشة، وكذلك عمليات الاستثمار وتنمية الأموال أو ما بات يعرف بالمحافظ الوهمية، حيث لا يمر يوم إلا ويتلقى فيه الشخص رسالة عبر البريد الإلكتروني أو الحساب الشخصي تروج لاستثمار ما سواء في الفوركس أو بورصة الذهب أو تجارة الأراضي في دول أخرى أو تجارة السيارات أو حتى فرص الدراسة أو العمل وغيرها.
وما يعنيني هنا هو التأكيد- بغض النظر عن دوافع طرفي معادلة جريمة النصب والاحتيال (سواء النصاب المحترف الذي يعزف على وتر طمع وشره الضحية ورغبتها في المكسب السريع دون جهد أو عناء)- على أن الجهات المعنية في الدولة توفر قنوات تضم منتجات وأدوات استثمارية متعددة تتيح فرصة للاختيار أمام الراغبين في تنمية أموالهم واستثمارها بشكل آمن ومن بينها صناديق الاستثمار والمحافظ الاستثمارية والأسهم والسندات والصكوك وحقوق الاكتتاب والودائع البنكية، وغيرها… وأنه بطبيعة الحال تتفاوت العوائد والأرباح وفق درجة المخاطرة؛ فالمعروف أنها تكون عالية كلما زادت درجة المخاطر وتنخفض كلما قلت نسبة المخاطرة.
اللافت للانتباه هو أنه رغم أن الدولة توفر القنوات القانونية لفرص الاستثمار بشكل متزايد، إلا أنه توجد سهولة ملحوظة في اقتناص الضحية رغم تكرار التحذيرات من الجهات المختصة وبرامج التوعية، ويرجع ذلك في جزء منه لتوق النفس البشرية للمكسب السريع، والثقة الشفهية التي وضعها الضحايا في أصدقاء أو أقارب سبقوا بالاستثمار في هذا النوع من الأنشطة وساهموا في إغراء هؤلاء الضحايا عن قصد أو بدون قصد.
والملاحظ أن المتلاعبين في مثل هذه الجرائم هم أشخاص على درجة عالية من الذكاء؛ يقومون بتحريك الأموال داخل المحفظة دون وجود استثمارات حقيقة (أو وجود القليل منها لأغراض
التمويه) بحيث يتم سداد أرباح المستثمرين السابقين من المساهمات الواردة من المستثمرين الجدد، وهكذا تستمر العملية وقد تنتهي في الغالب بفقدان المستثمرين لأغلب مساهماتهم.
والسؤال هنا ماذا يفعل المستثمر ليحمي نفسه من الوقوع في خطر هذه المحافظ الوهمية؟ هناك بعض الاحترازات الوقائية والإرشادات والأسئلة التي يجب يطرحها على نفسه قبل المساهمة أو المشاركة في أي محفظة.
فمن الضروري أن نؤكد على أصحاب رؤوس الأموال لتوخي الحذر واتباع السبل الصحيحة حتى لا تضيع مدخراتهم، وإدراك أن أي نشاط تجاري أو استثماري عبر الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي أو بأي شكل آخر، يجب أن يحصل على ترخيص مسبق من قبل الجهات المعنية في الدولة مثل هيئة الأوراق المالية والسلع أو المصرف المركزي أو دوائر التنمية الاقتصادية في الدولة؛ فالمحافظ الاستثمارية المنظمة هي إحدى أدوات الاستثمار التي تدار من قبل جهات متخصصة ومرخصة في الاستثمار وتخضع لإشراف الجهة التنظيمية والرقابية بالدولة، وأن هذه الأدوات الاستثمارية يتم تنظيمها وفق أنظمة وإطار تشريعي تم وضعه وفق أفضل الممارسات العالمية، ويحظى باعتراف دولي من قبل المنظمات الدولية المختصة ومن بينها المنظمة العالمية لهيئات الأوراق المالية “IOSCO ” وأنه يعد وفق التقارير الدولية على مستوى عالي من الكفاءة والفاعلية.
وعلى الشخص الذي يرغب في استثمار أمواله مراعاة عدة نصائح وخطوات للتأكد من جدية الاستثمار ومصداقيته يأتي في مقدمتها تفادي المحافظ غير النظامية التي يؤسسها أو يديرها أفراد ليس لديهم خبرة أو ترخيص؛ ذلك أن نشاط إدارة الاستثمار أو المحافظ لا يتم منحه لأفراد بل لشخصيات اعتبارية، والتأكد من وجود ترخيص رسمي من الجهات الرسمية (هيئة الأوراق المالية والسلع من خلال موقعها الإلكتروني أو بالاتصال المباشر- ودائرة التنمية الاقتصادية للتحقق من رخصة تأسيس الشركة)، وأن تكون المحفظة تابعة لبنك أو مؤسسة مالية حسنة السمعة، ومدى استقرارها، وقدراتها الإدارية والفنية، وعدم وجود تغييرات متتابعة في سياساتها وقراراتها الاستثمارية، والمجال الذي تستثمر فيه، وأداء المحفظة على المدى المتوسط أو الطويل، وما إذا كانت رابحة أم خاسرة، وما إذا كانت توزع أرباحها بشكل دوري منتظم وبدون تأخير، ومدى منطقية الأرباح وتناسبها مع العوائد المماثلة، ومعرفة ما إذا كانت إدارتها كفؤة؛
بالتأكد من كفاءة مدير المحفظة، وأن لديه آلية في اختيار المنتجات التي تناسب وضعه، واستمراره سنوات عدة في إدارته للمحفظة وكونه مرخص من قبل الهيئة، وهل لدى المحفظة إفصاحات منتظمة عن أوضاعها المالية، وهل يوجد لديها حافظ أمين وحسابات منفصلة لدى البنوك ومدقق حسابات وضابط امتثال داخلي. ونؤكد هنا على أن من حق المستثمر- وواجبه كذلك- وفق أنظمة الهيئة أن يطلع على المستندات التي تجعله مطمئناً إلى قانونية جميع الأنشطة والاستثمارات قبل الدخول فيها.
وحرصاً منها على ضمان ودقة وسلامة التعاملات التي تتم في الأسواق المالية فإن هيئة الأوراق المالية والسلع قد قامت- خلال فترة الأخيرة- بإصدار عدة تشريعات لضمان توفير بيئة تشريعية محكمة تنظم هذه النوعية من التعاملات من بين هذه التشريعات:
· نظام إدارة الاستثمار، بموجب قرار مجلس إدارة الهيئة رقم (1) لسنة 2014م بشأن نظام إدارة الاستثمار، وقد تم تعريف إدارة الاستثمار بأنه “إدارة محافظ الأوراق المالية لحساب الغير أو إدارة صناديق الاستثمار وفقاً للأهداف والسياسة الاستثمارية المحددة في اتفاقية إدارة الاستثمار الموقعة بين مدير الاستثمار وعملائه من الأفراد أو المؤسسات أو صناديق الاستثمار”، وقد تضمنت المادة (2) منه النص على أنه ” لا يجوز مزاولة نشاط إدارة الاستثمار بالدولة إلا بعد الحصول على ترخيص من الهيئة وفقاً لأحكام هذا النظام.
· نظام صناديق الاستثمار، بموجب قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة رقم (9) لسنة 2016 بشأن النظام الخاص بصناديق الاستثمار، وقد تضمنت المادة (3) منه النص على أنه “يحظر على شركة الإدارة أو مجلس إدارة الصندوق ممارسة المهام المتعلقة بصندوق الاستثمار محل الطلب إلا بعد صدور قرار الهيئة بترخيص الصندوق”.
· نظام الترويج والتعريف، بحيث يتم ضبط هذا النشاط والتأكد من الترويج فقط للصناديق المسجلة أو المرخصة.
· نظام شركات الإدارة.
· فضلاً عن أن قانون الهيئة يحظر تقديم أي معلومات مغالطة أو الإضرار بمصالح المستثمرين.
ويجوز للهيئة التفتيش على الشركات والصناديق للتحقق من حسن أدائها وعدم خروجها عن حدود نشاطها المصرح لها به، وتستعين الهيئة بعدة آليات للرقابة على أنشطة المحافظ الاستثمارية الخاصة من بينها:
· الزيارات التفتيشية من خلال ادارة الرقابة.
· البلاغات والشكاوى الواردة الى إدارة التنفيذ.
· رصد الاخبار والمعلومات من خلال متابعة الصحف والمواقع وحسابات التواصل الاجتماعي من خلال ادارة الاعلام.
· المعلومات الواردة من الجهات المعنية.
وفي حال ورد ما يفيد بوجود محافظ وهمية من خلال الآليات أعلاه، فإن الهيئة تقوم بإحالة الموضوع الى النيابة العامة، كما أن الهيئة سوف تقوم عما قريب بنشر التحذيرات اللازمة بهذا الشأن على موقعها الالكتروني.. علماً بأن هذا الاجراء ما زال قيد التطبيق بانتظار صدور الضوابط المعتمدة.
وربما يكون من المتصور أن تدرس الهيئة مستقبلاً سبلاً جديدة لمواجهة أساليب التحايل كأن أن تطرح مقترحاً مبنياً على أفضل الممارسات العالمية بتجريم جمع الأموال دون تفويض قانوني مناسب (كالمحافظ، والتأمين، والبنوك)، ومنع استلام النقد في هذه القنوات بحيث يكون التحويل عبر القنوات البنكية وبوجود حافظ أمين، وتعديل التشريعات والأنظمة لتشمل المزيد من المخالفات وتغليظ العقوبات كأن تكون أضعاف الربح المتحقق أو الخسارة الناتجة عن الجرم، مع تكثيف برامج التوعية بكافة الوسائل والقنوات، والتنسيق مع وسائل الاعلام بشأن مراعاة عدم نشر اية إعلانات دعائية تتعلق بالمحافظ الاستثمارية الا بعد التحقق من حصولها على الترخيص، ونشر اسماء الجهات المرخصة داخل الدولة التي حصلت على مزاولة نشاط إدارة المحافظ الاستثمارية، وتعزيز التنسيق بين الجهات الرقابية في عمليات استقبال الشكاوى والبحث والتفتيش.