التحولات الاجتماعية والقيمية في دول الخليج العربي في ندوة الثقافة والعلوم
دبي الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
نظمت ندوة الثقافة والعلوم محاضرة حول “التحولات الاجتماعية والقيمية في دول ندوة الثقافة والعلوم للدكتور محمد الرميحي أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت، وكاتب عمود أسبوعي في جريدة الشرق الأوسط وعمود نصف شهري في جريدة الأهرام وبحضور معالي محمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة محمد بن راشد وعبدالغفار حسين وذياب الرشيدي قنصل الكويت في دبي وبلال البدور رئيس مجلس إدارة الندوة وأعضاء مجلس الإدارة ود. حصة لوتاه ود. موزة غباش وجمع من المهتمين.
قدم للمحاضرة علي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس الإدارة ذاكراً مقولة ابن خلدون “ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأياموهو داء دوي شديد الخفاء، غذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليفة، وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال”.
وقال د. الرميحي أن موضوع تحولات القيم الاجتماعية في دول الخليج لم يتطرق إليه كثيراً بشكل متخصص في علم الاجتماع رغم أهميته وأولويته في البحث العلمي.
وأكد على أهمية القاعدة النظرية للتمكن من الإلمام ببعض جوانب الموضوع، وهذه القاعدة تتضمن 4 قواعد لابد من الحديث عنها:
أولاً أن أهل علم الاجتماع عادة يتحدثون عن قيم شبه ثابتة (ذلك لأن غالبية القيم الاجتماعية متحولة)، وقيم متحولة والفارق بينهم في سرعة التحول، أو الزمن الذي تستغرقه لتحقيق ذلك التحول.
ثانياً أن تحول القيم مرتبط بتحول أو تغير منظومة الخبرة (كيف يكسب الناس خبراتهم) فالمجتمع الذي يعيش معظم أفراده على الزراعة مثلا تتكون بينهم قيم محددة في الأفكار والسلوك، والمجتمع الصناعي له قيم محددة وخاصة به، والمجتمع البدوي له خصوصيته وقيمهن قد يكون هناك مشتركات بين تلك القيم سواء بشكل جماعي أو منفرد، أي أن هناك قيم عامة بين الناس.
ثالثاً: المجتمع في دول مجلس التعاون الخليجي خبر تغيراً هائلاً خلال نصف قرن أو يزيد، وهو ما لم يتحقق في كثير من المجتمعات، سرعة التغيير، والتغيير القيمي بمعنى قد يكون التغيير إيجابياُ للبعض وسلبياً للبعض الآخر. والشاهد على ذلك التطورات التكنولوجية المتلاحقة والتي تلقي بظلالها على قيمنا وتنشئتنا، وأصبحنا مجتمعات ترفية دون المساهمة في الإنتاج.
رابعاً مجتمعات الخليج ككل مجتمعات هجرة، بمعنى أن شرق الخليج تاريخياً كان محط هجرة من غرب إيران وسواحل إفريقيا ومن الشمال، كما أن غرب الخليج محط هجرة من مصر والسودان وشرق إفريقيا، وبالنظر حولنا سنجد كيف تواجدت وأثرت ملامح تلك الهجرة في دول الخليج، وأصبحت الهجرة أكبر وأعمق.
وأضاف الرميحي فيما يخص علم الاجتماع والذي تطور منذ وضعه مؤسسه أوغست كونت في الثالث الأول من القرن التاسع عشر، وأخذ على عاتقه بناء أو محاول بناء نموذج لمعرفة المجتمع معرفة علمية وكل نموذج تطور بحسب المجتمع المتواجد فيه، وكل نظرية في علم الاجتماع صاحبت فترة زمنية من تطور المجتمع العربي، ففي البدايات ومع ظهور الدين الإسلامي سنجد ظاهرة اجتماعية وعلمية مغايرة لما قبل، إلا أننا نجد أن الثقافة العربية كانت مشككة في علم الاجتماع، وأصبح موقف العرب من علم الاجتماع موقف سلبي ولجمال الدين الأفغاني كتاب في هذا بعنوان “في ذم الدهريين والسوسويولجيين” في بداية القرن الماضي، واعتبر الكثيرون أن علم الاجتماع دين جديد. وهو الذي سيفسر كل شيء، فدارسي علم الاجتماع رغم أنهم لم يأخذوا حظهم في دولهم ، إلا أنهم الاقدر على فهم مجتمعاتهم.
وأشار الرميحي أن مجتمعاتنا الحالية (مجتمع الخليج) مجتمعات انتقالية، لاننا لم نصل بعد إلى المجتمع المستقر نعيش مجتمعات جديدة ولكن بقيم غير إنتاجية، فانتقال المجتمع من إنتاج خيراته من نظام اقتصادي إلى آخر حيث كان يعيش على أنماط إنتاجية محددة وهي (الغوص والزراعة البسيطة وتربية الماشية والتجارة وصيد الاسماك) وما يحيط بهذه المهن من أعمال، وانتقل بعدها إلى (إنتاج النفط) بحيث يستفيد من موارد هذه الصناعة، ولكنه لم ينخرط كافراد في تفاصيل الإنتاج، ونجد أن مجتمع الخليج عبر هذا الانتقال قد تغير وأصبح لديه بعض المشكلات ولكنه لا يريد الاعتراف بها، فالنفط ربط مجتمع الخليج بالسوق العالمي، وتحولت المؤسسات السابقة إلى مؤسسات حديثة بكل أشكالها وذلك في عقود قليلة إلا أننا لم ننتهي من التنظيم المؤسسي السابق فأضحت القيم (ثنائية)، بحيث نجد لدينا قوانين وفي الوقت نفسه مفتيين لماذا؟ المفتي الحديث أطلق عليه الداعية ويتكسبون بأشكال مختلفة ولهم مكانتهم الاجتماعية سياسياً واقتصادياً، واستخدم بعضهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجمع المال ولمزيد من التغييب أو تضليل الناس.
وأكد الرميحي على ظهور الارتباك في منظومة القيم في مجتمعاتنا، وقد أطلق علماء الاجتماع على توابع هذه الظاهرة الانتقالية بظاهرة الأنومي (انتفاء المعيارية في السلوك)، فالسلوكيات القديمة لازالت موجودة ولكن حدث لها تطور ظاهري بعض الشيء، ويتجلى ذلك في ظاهرة الترف المسيطرة كثير من مجتمعاتنا وسلوكياتنا وهذا ما يفسره ابن خلدون في مقدمته بقوله (إن السلطة تتداول بين أهل المدر وأهل الوبر بين المدينة والحضر، أو الجماعات المستقرة وبين أهل البدواة والسبب أن (الترف) يصيب أهل المدر فتضعف شوكتهم ويأتي أهل الوبر بعصبية جديدة)، ولكن في مجتمعنا نجد أن الترف يتفاعل مع أهل الوبر (البدو)، وظهرت كثير من التأثيرات السلبية وإفساد المجتمع عبر التسابق لشراء ماركة محددة أو اقتناء أشياء بغرض الإسراف والتباهي والتبذير والبذخ غير المبرر وجميعها قيم مستجدة على مجتمعنا.
واضاف نحن أمام ظاهرة سماها علماء الاجتماع بالمازوخية السلعية، أي أن السلعة بصرف النظر عن الجهد والثمن المبذول في صنعها، فإنها تثمن بأعلى من قيمتها وتثمن بحسب موقعها الاجتماعي بين فئة من الناس.
وأكد الرميحي على أن ظاهرة عدم اليقين أو الاختلال في القيم بين متمسك بقيم الماضي وبين راغب في التحول إلى القيم الجديدة تخلق الصراع الاجتماعي، فالإنسان هو ما يختزنه في عقله من معرفة وبقدر ما يفيد مجتمعه، لا بما يلبسه في يده أو يحمله، ومع الأسف فإن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد هو ما يروج لتلك الظواهر الترفية المازوخية ويسهم في التضليل وترسيخ قيم مغلوطة في مجتمعاتنا.
وحول التغير في قيم المجتمعات الخليجية في الوقت الحالي ذكر أنه تم الانتقال من المجتمعات الآلية إلى المجتمعات الوظيفية ولكننا لم نفعل قانون يوازن بين تلك العلاقات ما دفع الناس تلقائياً إلى التكتل القبلي والعصبيات وهذا ما نلحظه في الانتخابات الكويتية على سبيل المثال وهذا عكس التحول الاجتماعي لان عادة المجتمعات تنتقل من العصبيات إلى المجتمعات المفتوحة.
وأكد في الختام على أن التنمية الحقيقية في أي مجتمع تتحقق عبر تنمية المرأة وتعليمها، وان المجتمعات جميعها في الوقت الحالي تولي المرأة مكانتها وتتسابق في سن القوانين لنيل حقوقها.
وعلق معالي محمد المر أنه في تغير القيم عادة الناس يميلون لوصف أن الماضي أجمل وكل حديث هو تخريب متعمد للتراث الجميل ولكن للماضي سلبياته وإيجابياته مثلما للحاضر، ومنذ السبعينات أصبح يفرض على بعض المجتمعات من رجال الدين (الشعراوي أو د. مصطفى محمود على سبيل المثال) توجه معين ونمط من التفكير وهذا كان بناء على توجه سياسي لمحاربة اليسار، وهذه رسائل بعيدة عن العلم المجتمعات تتغير تغير إيجابي وأؤكد أن التغير مرتبط بالحاكم فإذا كان الحاكم مستنير فإنه يستطيع صنع قيم جديدة وخاصة بمجتمعه.
وأكدت د. موزة غباش أن للمرأة مكانتها ولكن التمكين الزائد عن الحد له سلبياته، وخاصة إذا تمردت النساء على الرجال وألغت قيم المشاركة، ورأت أن هناك ضرورة للنظر في قوانين الأحوال الشخصية للحفاظ على الروابط الاسرية، فالمجتمعات الخليجية بشكل خاص بحاجة إلى نظريات اجتماعية مخصصة لها لما تمتلكه من خصوصية مغايرة لكثير من المجتمعات، المجتمع بحاجة إلى علم اجتماع إقليمي.