الزمن الإبداعي محور أساسي في قصص “الطيور البنّية المهاجرة” للكاتب الصيني “غي في”
ترجمتها من الصينية إلى العربية يارا المصري وأصدرتها "روايات"
تعرّف بأسلوب أحد أشهر أدباء الصين المعاصرين
الشارقة الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
في مساهمة منها لتعريف القارئ العربي على نماذج من إبداعات أشهر الأدباء المعاصرين في الصين، أصدرت دار “روايات” التابعة لمجموعة كلمات للنشر كتاب “الطيور البنّية المهاجرة” للروائي الصيني “غِيْ فِيّْ” بترجمة من الصينية إلى العربية أنجزتها يارا المصري، ويضاف إلى الإصدارات التي تقدمها الدار سنويًا من مختلف ثقافات وآداب العالم.
مؤلف هذه القصص من المؤسسين لتيار “أدب الطليعة” وأُطلق عليه لقب “بورخيس الصين” نسبة إلى الأديب الأرجنتيني العالمي خورخي لويس بورخيس، أحد أشهر كتاب أمريكا اللاتينية في القرن العشرين، حيث يعتمد “غِيْ فِيّْ” منذ ظهوره في ثمانينيّات القرن الماضي على أسلوبه في توظيف الغموض والأسطورة والفلسفة وتناول موضوعات الوجود والزمان والمكان.
احتوى الكتاب على خمس قصص تبدأ بقصة “الطيور البنّية المهاجرة” التي تحتل عنوان الكتاب، وتليها قصص “ذكرى السيد وو يو”، “القارب الضائع”، “تشينغ هوانغ – الأصفر المائل إلى الخضرة”، “سي مطرّز”، ويجمع بينها أسلوب الكاتب في تنقل الأحداث التي يرويها بين أزمنة مختلفة تدمج بين الواقع والوهم والتأملات، في قالب تجريبي استطاع من خلاله أن يعرض مهاراته السردية في بناء أحداث مشوقة تجعل القارئ يشعر بمتعة اكتشاف ما يسميه المؤلف بـ “الزمن الإبداعي”.
وفي نظر النقاد والمهتمين بمتابعة التحولات في الأدب الصيني، تعد قصة “الطيور البنّية المهاجرة” مثالاً نموذجيًا للتجديد، وتروي القصة مشاهد من حياة مؤلف يقدم له الناشر فرصة للتفرغ لإنهاء روايته في مكان هادئ، وخلال فترة كتابته للرواية تدور أحداث القصة التي تقوم على شعور البطل بالقلق والهلوسة وانتظار مشاهدة سرب من الطيور البنية يمر من أمام نافذته ليذكره بالزمن، وتظهر شخصيات أخرى في القصة لكن القارئ يكتشف أنه أصبح مثل البطل لا يعرف ما إذا كانت حقيقية أم خيالية.
بهذا الأسلوب السردي الذي يستعين أحياناً بتقنية السينما في سرد المشاهد البصرية، نطالع القصص الأخرى التي تصبح الموضوعات والشخصيات فيها أدوات للفن ولمحاولة المؤلف ترسيخ رؤيته وفلسفته لمفهوم “الزمن الإبداعي” والسرد المتداخل الذي يجعل من الحكايات حلقات متصلة تكمل بعضها بعضًا، وكأننا أمام استعارة أيضًا لأسلوب السرد في كتاب “ألف ليلة وليلة”، حيث يستخدم الكاتب ما تعرف بتقنيات السرد (غير الخطية)، مثل ذكريات الماضي والتأملات لتحفيز القراء على الانهماك في متابعة التفاصيل والبحث عن المغزى من كل حكاية.
ويعيش القارئ مع الأحداث في قصص “غِيْ فِيّْ” ليكتشف مركزية الزمن في السرد ومدى احتشاد الإنسان بعالمه الداخلي وأحلامه وذاكرته والأمكنة والطبيعة من حوله، ويلخص الكاتب رؤيته وانحيازه للتقنية التي يكتب بها قصصه في هذا المقطع الذي أوردته المترجمة في المقدمة، حيث يقول في إحدى المقابلات: “البُعدَ الأرجحَ الذي يمنحنا مغزىً هو البعدُ الزمني، ولا أعني بذلك أنَّ البُعد المكاني لا أهمية له، بالطبع له أهمية، لأننا في حالةٍ مستمرة من الانتصارِ على الطبيعة، في حالة مستمرة من ابتكارِ الأشياء، وفي حالة مستمرة من إطالةِ بقائنا. لذا، في حدود كهذه، فإنّ كل هذه الجهود هي تغيّرات زمنية”.
يشار إلى أن الكاتب “غِيْ فِيّْ” نشر أول قصصه عام 1986، واشتهر بقصته الطويلة “الطيور البنّية المهاجرة” التي نُشرت لأول مرة عام 1988 وفي يوليو 2000 حصل على الدكتوراه في الأدب الصيني الحديث والمعاصر، وفاز بالعديد من الجوائز الأدبية، ابتداء بجائزة الكاتب المتميز التي حصل عليها في العام 2005، في عام 2021 تم انتخابه نائبا لرئيس اللجنة الوطنية العاشرة لجمعية الكتاب الصينيين.