المرونة المؤسسية والطابع الافتراضي لبيئة العمل في ظل انتشار جائحة فيروس (كوفيد-19)
طالب غلوم طالب مستشار إداري داخلي غير مقيم في مركز الإمارات للمعرفة والاستشارات
شهدت بيئة العمل المؤسسية تحولات سريعة بعد انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم ،وأهمها على الإطلاق تبني المنظمات الحكومية وغير الحكومية الطابع الافتراضي لبيئة العمل – العمل عن بعد- ، لما كان له من أثار إيجابية وسلبية على المنظمات وفقاً لمدى استجابتها وتكيفها وقدرتها التنافسية ، وباعتبار أن المنظمة عبارة عن نظام مفتوح تؤثر وتتأثر بالبيئة المحيطة بها والتي تتألف من مجموعة من العوامل والقوى الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية والسياسية ، وحتى تتمكن المنظمات من التعامل الفعال مع هذا الطيف الواسع من المتغيرات التي تبعت انتشار فيروس (كوفيد -19) بحيث يكون لها الريادة والمبادرة أيقنت بأن عليها أن تكون متيقظة وذات تحسس مستمر للفرص في البيئة الخارجية وأن تتسلح بالمعرفة والتعلم الضروريين اللذان يتيحان الاستغلال الأمثل للفرص لتعزيز بناء القيمة المقدمة لمتعامليها من خلال تبني نماذج أعمال ريادية تحقق إبداعاً مستمراً يضمن لها ميزة تنافسية مستدامة . هو ما اتبعته جميع المؤسسات الحكومية في دولة الإمارات العربية المتحدة عموما والمؤسسات الحكومية في دبي .
فم تكتفي المؤسسات الحكومية بإجراء عمليات مسح مستمرة لمجمل العوامل البيئية التي تؤثر في أدائها وإنما كان لزاماً عليها أن تطور القدرة على الاستجابة لها من خلال تعزيز مرونتها المؤسسية وتطوير مواردها وإمكاناتها بشكل يمكنها من استغلال الفرص المتاحة الاستغلال الأمثل وتجنب المخاطر والتهديدات المحتملة .
فالمرونة المؤسسية تعكس قدرة المؤسسة على فعل ما كاستجابة للتغيرات التي تحصل في البيئة الخارجية كما تمثل قدرة المؤسسة على الاستجابة لحالات عدم التأكد التي توجه المؤسسة من خلال تعديل أهدافها الاستراتيجية بدعم من معرفتها وقابليتها المتميزة ، وهناك نوعان من المرونة هي مرونة الاستجابة والمرونة الاستباقية، فمرونة الاستجابة تمثل القدرة على على الاستجابة للتغيرات بسرعة وفاعلية ، في حين تركز المرونة الاستباقية على توقع التغيرات التي قد تحصل في البيئة الخارجية مستقبلاً وهذه المرونة الأخيرة من وجهة نظرنا الشخصية التركيز ….
وفي ظل تنامي معدلات تفشي جائحة كورونا في مختلف دول العالم قدّمت دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً رائداً في التصدي لجائجة الفيروس وبذلت جهوداً مكثفة لاحتوائه من خلال اجراءات متعددة ، إلا أن التجربة المؤسسية خلال شهور انتشار الفيروس اعتمد على إضفاء الطابع الافتراضي للعمل الإداري ، وهذا ما أثار مجموعة من الأسئلة في أذهان الجهات الحكومية والموظفين عن مستقبل العمل فهل بإمكاننا العمل عن بعد بعد زوال جائحة كورونا ، والمحافظة على كفاءة الأداء الوظيفي والمؤسسي في آن واحد ؟
فقد أصبح معدل التغيير في أساليب وأدوات العمل الافتراضية أسرع من قدرة الأطر التنظيمية على استيعابها، وقد يؤدي هذا إلى تغيير التشريعات والقوانين التنظيمية وما يستببعها من سياسات وإجراءات في بيئة العمل لتنسجم مع العقد الاجتماعي المؤسسي الجديد الذي أملته ظروف جائحة كوفيد -19 ، فقد أثبتت الدراسات أن الموظفين الذي يعملون 3-4 أيام في الأسبوع عن بعد أكثر ارتباطاً باعمالهم مقارنة بمن يعملون داخل مكاتب المؤسسة بجانب زملائهم .
وارتكزت المرونة المؤسسية الإماراتية لتطبيق منظومة العمل عن بعد على ما يلي : تشكيل فرق عمل داخل المؤسسات تعمل على إضفاء الطابع الافتراضي على الوظائف التقليدية مثل تحويل مهام بعض المكاتب والإدارات إلى مهام تقنية ، وقد استطاعت العديد من المؤسسات أن تستفيد من هذه التجربة وبأن تجعل الشبكات الافتراضية المستقبلية وانتاج المحتوى بالتعهيد الجماعي عبر الانترنت والتعليم عن بعد وبرمجة المسرعات الافتراضية لتصبح جزءاً من نشاطها اليومي بهدف دعم ومواصلة العمل عن بعد ، كما اعتمدت المرونة المؤسسية على تمكين فرق العمل داخل المؤسسة بالأدوات والصلاحيات اللازمة لتفعيل منظومة العمل عن بعد بحيث تتكون وحدات الموظفين من فرق صغيرة تتعاون بنشاط وفعالية ضمن المؤسسة ، إضافة إلى اعتماد التنظيم الأفقي بما يسمح بمرونة للتحول إلى مؤسسات تمارس جميع أعمالها بنجاح الأمر الذي يصعب تحقيقه في مؤسسات تدار وفق هرمية جامدة ذات قواعد صارمة، إضافة إلى تحديد الأهداف والإنجازات المطلوبة بوضوح من خلال الخطة الاستراتيجية التي تتطلع إليها جميع الوحدات الإدارية من خلال منصات رقمية توفر شفافية النتائج المتوقعة والإنجازات ، مع مراعاة ومتابعة صحة الموظفين والجسدية والنفسية التي تعد أولوية من أولويات أي مؤسسة ناجحة ورائدة .
واتساقا لما تم سرده نرى ان من أهم التحديات التي تواجه الطابع الافتراضي لبيئة العمل وينعكس على المرونة المؤسسية هو قدرتها على تقييم انتاجية الموظفين بعدالة وكفاءة عاليتين مما يتطلب أن يركز نظام إدارة الأداء السليم في الوضع الافتراضي الجديد على تقييم النتائج بدلاً من مجرد تسجيل عدد ساعات العمل أو مستوى الانتاجية لكل موظف ويتطلب تقييم النتائج بذل رؤساء فرق العمل جهداً كبيراً لتحديد الأهداف بوضوح مقدماً وأيضاً الإنجازات المطلوبة بدقة عالية حتى تصل المؤسسات الى ما تريد تحقيقه من نتائج متفردة . وهذا بيت القصيد