الملصق وسيلة للتواصل الثقافي والاجتماعي في ندوة الثقافة والعلوم
دبي الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
نظمت ندوة الثقافة والعلوم ضمن برنامجها الثقافي جلسة نقاشية بعنوان “الملصق وسبلة للتواصل الثقافي والاجتماعي” حضرها معالي محمد المر رئيس مجلس إدارة مكتبة محمد بن راشد وبلال البدور رئيس مجلس الإدارة ود. صلاح القاسم المدير الإداري ود. نجاة مكي ونخبة من المتخصصين والمعنيين.
شارك في الجلسة هشام المظلوم أول مصمم إماراتي تخرج في جامعة الإمارات عام 1985 وأنجز عشرات الشعارات والبوسترات منها شعار تلفزيون الشارقة، وكان رئيساً لمجمع الشارقة للفنون. وخالد الجلاف رئيس جمعية الإمارات لفن الخط والزخرفة الإسلامية، ونائب رئيس تحرير مجلة حروف عربية الصادرة من ندوة الثقافة والعلوم والمتخصصة في فن الخط العربي. ود. عرفات النعيم أكاديمي وفنان جرافيك ومصمم ومنسق مشاريع دولية في الفنون البصرية، وتاج السر حسن فنان تشكيلي وخطاط ومصمم حروف طباعية وباحث في مجال الخط العربي.
أدار النقاش الروائي ناصر عراق وذكر أن عام 1798 قد يكون أول معرفة للعرب بفن البوستر عندما هبط نابليون أرض مصر ومعه 400 ألف جندي فرنسي واستطاع فرض شروطه وأوامره في مصر من خلال البوستر الذي يضم قرارات نابليون بلغة عربية بسيطة ومزودة ببعض الرسومات ومعلق على مداخل وأبواب الحارات المصرية، وبعدها عرف الناس الصحافة وفن البوستر مع وجود الفرق المسرحية منذ بداية الربع الثاني من القرن الـ 19.
وأكد هشام المظلوم أن مدارس فن التصميم تضم خمس فروع منها التصميم المعماري والصناعي وثلاثي الأبعاد والأزياء والمجوهرات والجرافيك (الحفر)، والعناصر الأساسية للتصميم من الناحية الفنية تعتمد على الفكرة المطروحة وبساطتها وقوة التصميم والمضمون ومدى ارتباطه بالحدث، والقراءة السريعة له.
أما الجانب التقني فيفضل ألا يتعد التصميم أكثر من 3 ألوان، وأن يكون سهل التحول إلى اللونين الأسود والأبيض مع المحافظة على المضمون والقراءة وقوة الوضوح، وأن يخضع للتصغير والتكبير دون أن يفقد معالمه الرئيسية.
وأضاف المظلوم أن الملصق لابد أن يجيب على اسئلة (ماذا وأين ومتى) وفي الجانب المقابل لابد أن يكون هناك ابتكار وجودة في التصميم والإبداع الفني، والمصلف غالباً ما يعالج موضوع معين لجمهور مستهدف في مختلف المجالات ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي أو رياضي…
وللملصق قياسات عدة منها ملصق الشارع الذي لابد أن يكون مبسط وواضح، أما ملصق النافذة فيعتمد على المعلومة والتفاصيل للمعلن عنه.
وأوضح المظلوم أن أول ملصق عالمي صمم في لندن في القرن الخامس، وأقدم ملصق مطبوع في فرنسا منذ عام 1477 ويحتوي على الضرائب والملكيات، وتعتبر بدايات الملصق الحديث في القرن التاسع عشرة مع بداية ظهور الطباعة التي روجت لهذا الفن.
وذكر المظلوم أن هناك دول عربية محورية لها دور مهم في فن تصميم الملصق وتعتبر مصر لها الريادة في هذا الفن، ومع استخدام الخط في عصر محمد علي تطور فن الملصق وزاد حضوره مع الوقت في المسرح والصحافة وازدهار الطباعة، كما كان للبنان والعراق دور مهم في فن الملصق، وكان يقام معرض سنوي لفن الملصق العراقي وفن الملصق العربي. وكان للمسرح دور مهم في بروز فن الملصق من خلال الإعلانات المسرحية والسينمائية.
وأكد المظلوم أن الملصق السياسي أكثر تأثيراً في هذا المجال وهذا ما نراه في الملصقات التي تتطرق للقضية الفلسطينية.
وكان لهجرة بعض الفنانين العرب دور مهم في تطوير فن الملصق من خلال الاطلاع على تجارب جديدة، وتعد إيران من الدول الإقليمية التي تعمل في مجال فن تصميم الملصق بشكل قوي ومبتكر وتنظم سنوياً معرضاً الملصق الإيراني الذي يستعرض بيئتهم ويطور فن الخط الذي تشتهر به.
وعن تاريخ الملصق في الإمارات ذكر المظلوم أنه قبل تأسيس الدولة كان للوجود الهندي في المنطقة دور في التعريف بفن الملصق من خلال الإعلانات الخاصة بالعروض السينمائية أو اشرطة الكاسيت ومع ازدهار الطباعة والاستقرار الاقتصادي والنمو في دولة الإمارات أصبح للملصق حضور قوي ومبهر من خلال المؤسسات التعليمية والأكاديميات التي تدرس فن الملصق ومنه الجامعة الأمريكية وكليات التقنية وجامعة زايد ولكن المشكلة عدم دراسة فن الخط العربي مع التصميم حتى يتم المزج بينه الخط وتصميم البوستر بشكل مبتكر وأصيل. وأكد على أهمية تركيز المصممين على إيجاد خط عربي يتناسب مع هويتنا العربية.
واستعرض المظلوم جهود جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في تنظيم معارض لفن الملصق وهناك معارض تخصصية للجامعات والمؤسسات الثقافية، وعرض بعض من تصاميمه في فن الملصق والشعارات.
وعرف خالد الجلاف الملصق بأنه إعلان ورقي مطبوع أو إعلان معروض للجمهور، ويستخدم كلمة “بوستر” ككلمة معربة، وللملصق عدة استعمالات سواء كان الترويج لمنتج أو حدث معين كالأحداث الوطنية او المهرجانات الاقتصادية والسياسية والفنية ايضاً. ويجب أن يكون الملصق لافتاً لانتباه المارة على الفور، إلا انه لا توجد طريقة محددة لتحقيق ذلك، فهي تعتمد على خبرة الفنان مصمم الملصق إضافة لموهبته.
وأضاف الجلاف عن خصائص الخط العربي بأنه يقبل التشكيل بأي شكل هندسي ويتماشى بأي صورة من الصور دون أن يطرأ على جوهره أي تغيير. يشابه الأشياء ويقاربها نسبيا وهي ميزة لا توجد في أي خط آخر فمثلا تم تشبيه الحاجب بحرف النون والعين بحرف العين والفم بحرف الميم وهكذا، وتنوع مفردات الخطوط العربية وتعدد صور حروفها مما منح للخط العربي جمالا، وبالنسبة للمقاييس والنسب مقننة حيث لكل حرف من الحروف حقه من الطول والقصر والسعة والضيق والهيئة وهو بمثابة القانون الذي ينظم اشكاله ويضبط سلوك مفرداته، وقد تمت الاستعانة به لإضفاء جمال على ما يضاف اليه كالعمارة والحلي والمجوهرات والأسلحة والنسيج وغيرها من الاستخدامات (جماله مجرب ومعتمد).
وذكر الجلاف ميزة استخدام الخط العربي في فن الملصق بأنه يبرز جمالية الحرف العربي. ومرونة الخطوط العربية للتطويع ضمن التصميم الكلي للملصق. وإضفاء صفة الهوية العربية للملصق العربي. وتعبير الخط العربي عن مواضيع الملصقات. وتدريس التصميم باللغة العربية واستخدام الحرف العربي من خلاله. وقدرة الخط العربي أن يكون مكونا منفردا ضمن الملصق العربي، وأن المزج بين الحرف العربي والتصميم اللاتيني لإضفاء جمالية وقوة وعراقة على التصميم.
وتناول الدكتور عرفات النعيم في مداخلته دور الملصق وعلاقته بالوعي وبالتحولات الاجتماعية ووسائل استخدامه في تعزيز الثقافة البصرية. فالملصق شكلًا من أشكال التواصل البصري لتبادل المعلومات، والأفكار، والاستجابة للقضايا المحلية والعالمية وتعزيز المنتجات والخدمات. ويعتبر أكثر أشكال الجرافيك المعاصر قوة وأكثرها تأثيرا.
وناقش تجربة الملصق في المنطقة العربية انطلاقا من الملصقات المسرحية والسينمائية في بداية القرن العشرين والملصق السياسي في الستينات والسبعينات والثمانينات وأبرز معارض الملصق التي تم تنظيمها في المنطقة من المعرض الدولي لملصقات الحائط في بغداد – عام 1979، ومعرض أفضل مئة ملصق عربي ومهرجان الإمارات الدولي للملصق.
وأشار الى ان مهرجان الإمارات الدولي للملصق يعد التجربة الأبرز في هذا المجال لاستمراريته واستقطابه لأعلام فن الملصق في العالم اليوم ولكونه إطار إبداعي أطلقته ندوة الثقافة والعلوم بدبي لتعزيز مكانة التصميم والابتكار في دولة الإمارات العربية المتحدة والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولتعزيز التواصل والتبادل الإبداعي مع الثقافات الأخرى، وتعميم ثقافة التصميم والابتكار. وهو كذلك وللتعريف بالمنجز الثقافي والإبداعي الإماراتي والعربي محلياً وإقليميا ودولياً، ولتعزيز وسائل التعبير البصري وممارسة التصميم الجرافيكي والتفكير الإبداعي.
منذ البداية كان مهرجان الإمارات للملصق جزء من أسبوع التصميم في دبي فالدورة الأولى كانت حول “عام التسامح” واستقطبت ٣٦٥ مصمما من أكثر من ٢٠٠ دولة، والدورة الثانية كانت حول موضوع الأمل واستقطبت ١٧٠ مصمما من ٥٦ دولة. والدورة الثالثة للمهرجان تنظم هذا العام وتتزامن مع “دبي إكسبو ٢٠٢٠” وموضوعها “تواصل العقول وصنع المستقبل” واسبوع التصميم في دبي ٢٠٢١. ويضم المعرض ١٩٢ ملصقا لأعلام فن الملصق في ٥٢ دولة وهو عدد الدول المشاركة في “دبي إكسبو ٢٠٢٠”.
بعد ذلك تناول بالتحليل أبرز التجارب العربية والعالمية في مجال الملصق وناقش وسائل النهوض بهذا الفن في المنطقة العربية وأشاد بالدور الذي تقوم به ندوة الثقافة والعلوم في دعم هذا الفن ولسعيها لتأسيس متحف للملصق واقتناء أفضل الاعمال العالمية واتاحتها للجمهور للاطلاع عليها والإفادة منها.
وذكر تاج السر حسن الملصق أو البوستر في وقتنا الحالي هو واحد من نماذج التصميم الغرافيكي (الرقمي)، وله ضرورة/ أهمية/ وفاعلية في جذب انتباه الجموع.. الجمهور ويساعد في مزيد من الفهم والذائقة الشعبية، لرسالة محددة (سياسية/ اجتماعية)، (إعلامية/ توعوية)، (تجارية، تسويقية)، أو (للإبهاج والمتعة entertaining).
وللملصق استخدامات في الوسائل التعليمية من المطبوعات المعلقة والملصقة، وله رسالة النصية/ الصورية قد تأتي مركزة أو مختزلة في مكونها من الصورة/ الرسم/ الغرافيك ومن الإشارة النصية TEXT.
وأضاف تاج السر عن تأسيس (الرسالة/ الملصق) أو بلورته (كرسالة) تواصلية لها تاريخ في الحضارة الإنسانية منذ قوانين حمورابي والنصوص البابلية. والنقوش وكتابات الحضارة المصرية. والمعلقات الشعرية على أستار الكعبة، وهناك أمثلة كثيرة عبر القرون.. انتجت كمخطوطات منها الفرمانات العثمانية المعروفة.
ويعزى تطور هذه الرسالة وانتشارها إلى بعد تأسس تقنية الطباعة والتقدم في صناعة الورق بعد القرن الخامس عشر، حيث صار ممكنا طباعة العديد من النسخ من رسالة واحدة وتوزيعها أو لصقها.
وذكر تاج السر حول مدى إفادة التطورات التقنية في انتشار الملصق على مستوى الجموع من خلال التطورات التقنية من وتطبيقات رقمية واستخدام للفيديو (الصورة المتحركة)، وطرق البث عبر وسائل التواصل الاجتماعي العديدة والمتنافسة من الفيس بوك إلى الإنستغرام التي فتحت آفاق كبيرة للملصق وسـرعة من وصول الرسالة، بالإضافة
وأكد أن الملصق (كمصطلح) لم يعد ملصقاً إلا في دائرة محدودة، وأضحي إعلانا رقميا قد يجيء متبوعا بمطبوعات، ومعلومات مطبوعات التسوق تصلنا الآن على الموبايل.
واستعرض المشاركين نماذج من الملصقات والبوسترات الفنية التي تبرز مراحل تطور مفهوم الملصق، وكانت التوصية الجماعية لدى المشاركين أهمية إبراز الهوية والخط العربي في تصميم الملصق.
وأكد معالي محمد المر أن فن الملصق لم يلق اهتماماً يليق به على المستوى العربي، فالمنتج العربي ضعيف مقارنة بنظيره عالمياً، وأشاد بجهود ندوة الثقافة والعلوم في التعريف بفن الملصق من خلال مهرجان الملصق الذي نظمته الندوة في دوراته السابقة، إلا أن تلك الجهود بحاجة إلى مزيد من الإبراز، والحضور الجماهيري سواء بالعرض الحي أو عبر التقنيات ووسائل التواصل، وهذا يفرض تحديات على مصممي الملصق.
وأكد معاليه أن فن الملصق من الفنون الهامة والتي تحتاج إلى متابعة ومزيد من البحث والدراسة لأنها تعبر عن حالات أوضاع اقتصادية وثقافية وسياسية واقتصادية عدة