دبى الامارات العربية المتحدة
من سلام محمد
نظمت ندوة الثقافة والعلوم أمسية تأبينية لفتاة العرب الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي بحضور بلال البدور رئيس مجلس الإدارة وعلي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس الإدارة ود. صلاح القاسم وجمال الخياط وصالحة عبيد ومريم ثاني أعضاء مجلس الإدارة ود. سليمان موسى الجاسم ود. حصة لوتاه وفاطمة لوتاه ونبيل قرقاش وجمع من الحضور والمهتمين.
قدمت الأمسية الدكتورة بروين حبيب وشارك فيها الدكتور حامد بن محمد خليفة السويدي مؤسس ورئيس معهد أبوظبي للفنون وحفيد شقيق عوشة بنت خليفة السويدي، ومن هيئة دبي للثقافة والفنون الأستاذ محمد الحبسي مدير قسم الشعر والنثر، ومن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات الشاعر طلال سعيد الجنيبي، ومدير بيت الشعر في الشارقة الشاعر محمد البريكي، ومن كلمة جمعية الفجيرة الثقافية الاجتماعية الأستاذة سليمة المزروعي – مديرة بيت الشعر، وختمت الأمسية بقراءة في شعر فتاة العرب ألقاها الشاعر سيف السعدي.
رحبت د. بروين حبيب بالحضور وأكدت على استثنائية الأمسية.. فهي ليلة تأبينية لفقيدة الوطن عوشة بنت خليفة السويدي “فتاة العرب” والتي انتقلت إلى رحمة الله بعد أن عاشت ما يقارب قرن من الزمن مانحة لأرضها من ذخائر اللغة الكثير من خلال قصائدها التي عبرت عن جميع قيم مجتمعها من البادية إلى البحر، ومن الأصالة إلى الحداثة، بلغة رشيقة احتلت القلوب، فكان رحيلها خسارة عظيمة للثقافة والإبداع الإماراتيتين.
وأضافت حبيب، ولأنها الشاعرة الإماراتية “فتاة العرب” التي عرفت بأنها أهم شاعرة شعبية معاصرة في الإمارات فلها كل الحب والتقدير.
وقال علي عبيد الهاملي رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم في كلمته، رغم أن المناسبة التي تجمعنا مناسبة غياب، إلا أنني سأعنون كلمتي بالحضور فأقول:
يا ركن عود الهوى وفنه شاقني جيلك بالاوصافي
طـيف رويــا لي امشجنه شـط بك والحقك لتـلافي
يـعــل ودك منــك ومنــه بالتجـاوب بيـنـكم وافـي
كمّ صبري يالغضي عنه يــــا نديمي نسل لشرافي
هكذا ناداها المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عندما أطلقت واحدة من درر قصائدها والقصيد النبطي الجميل:
حـد مثلي بــات مشجنه حلم طيف مر خطافي
واغتنـم من وجدي الونه يوم كل بالكرى غافـي
والــوفا من فنـي وفنـــه بيـنا مـا يمشي اخلافي
حيث لنه في العرب سنّة خِص عند الناس لشرافي
وهكذا خاطبها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عندما أهداها ديوان سموه:
أرسلت لك يا عالي الشـان ديوان ديـــوان فيه من المثايــــل سِدَدْها
يحوي على لمثال من كل ما زان من كل در في عقــوده نضــدها
عليك مني يا اريش العين سمحان واخصكم وانت القصايد عمــدها
“فتاة العرب” وانتو لها خير عنوان ومن غيركم بقْصِد معاني نشدها
وأضاف الهاملي كان هذا في حياتها، وهي تملأ الدنيا قصيدا، وتنثر علينا منه دررا. وعندما وافاها الأجل المحتوم يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر يوليو الماضي، نعاها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة قائلا:
“فقدت الإمارات قامة أدبية شامخة، وعلامة فارقة في الشعر النبطي ظلت قصائدها في الوطن والتاريخ والدين لعشرات السنين تثري الذاكرة الإماراتية حكمة وثقافة ومعرفة وإبداعا. رحم الله عوشة بنت خليفة السويدي رحمة واسعة، وأدخلها فسيح جناته، وألهم ذويها الصبر والسلوان”.
وأكد الهاملي أن عوشة بنت خليفة السويدي، التي انتقلت إلى الرفيق الأعلى بعد أن أثرت الساحة الشعرية في الإمارات والخليج العربي بشعرها المتفرد، لم تكن شاعرة عادية، أتت لتذهب كما يأتي ويذهب الكثيرون، ولكنها قامة شعرية وأدبية قلّ أن يجود الزمان بمثلها. فقد مثلت بحضورها الشعري ظاهرة نسائية فريدة، في زمن كان الشعر فيه يكاد يكون حكرا على الرجال، وفي مجتمع كانت العادات والتقاليد فيه تفرض على المرأة قيودا لا تفرضها على الرجال. لكن شخصية عوشة بنت خليفة، عليها رحمة الله، وتشجيع أسرتها لها، كسرا هذه القيود، وساعدا على إبراز موهبتها الفريدة. ولولا ذلك ما كان لنا أن نستمتع بهذه الدرر التي جادت بها هذه الموهبة الشعرية الفريدة، وأن نقول إننا عشنا عصر الشاعرة عوشة بنت خليفة، عليها رحمة الله، التي تركت لنا تراثا شعريا جميلا، تميز بحس فني عال، أعادنا إلى عصور الشعر الذي يفيض حكمة، وغزلا عفيفا، ومساجلات غذّت الساحة الأدبية بروائع شكلت مدرسة في الشعر، يمكن أن نطلق عليها بثقة؛ مدرسة الشاعرة عوشة بنت خليفة، المتفردة بأخيلتها وصورها ومفرداتها ومعانيها. ولهذا كرمتها نجوة الثقافة والعلوم باختيارها شخصية العام الثقافية عام 2011، وكان هذا التكريم واجبا ومستحقا.
وأشار إلى أن ندوة الثقافة والعلوم تشرفت بتنظيم هذه الأمسية، مواصلة للتكريم، ولاستعادة شيء من عبق شعر هذه القامة الأدبية الكبيرة، وشيء من إبداعها، فهي إنما تسجل لمسة وفاء لمن رسم لهذا الوطن صورة جميلة نتباهى بها، ولمن أعطى هذا الوطن خلاصة جهده، وسخر موهبته كي يجعل منه وطنا للأدب والشعر والثقافة والإحساس الجميل المرهف، حتى تكتمل الصورة، وتتخذ مكانها في هذا الإطار الجميل، الذي نستطيع أن نحمله إلى كل الدنيا، ونقول بثقة؛ إننا من وطن الثقافة والفن والأدب، وليس الثروة والمال والعمران فقط.
وأكمل الهاملي في هذه الأمسية، نتوجه بالشكر الجزيل إلى من جمع لنا شعر هذه القامة الرفيعة، وحفظ لنا إبداعها، ونخص بهذا الشكر شاعر الإمارات الكبير وأديبها الراحل حمد بن خليفة بوشهاب، رحمة الله عليه، الذي جمع ووثق ودون شعرها في أصدار أطلق عليه (ديوان الشاعرة فتاة العرب) صدرت طبعته الأولى عام 1991. والشكر الجزيل أيضا للباحثة والأكاديمية والأديبة الدكتورة رفيعة غباش، التي بذلت جهدا خارقا جمعت خلاله ووثقت وحققت، لتقدم لنا دراسة جميلة ومتكاملة عن الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي، عليها رحمة الله، هي المرجع الوحيد الذي يوثق سيرتها مع شعرها الآن، فلها منا كل الشكر والتقدير. والشكر أيضا لفناني الإمارات الأوائل، الذين تغنوا بشعر عوشة بنت خليفة، عليها رحمة الله، وفي مقدمتهم علي بن روغة وميحد حمد وجابر جاسم، وكل من ترنم بقصائدها العذبة.
وشكر كل من استجاب للدعوة فشارك في أمسيتنا هذه؛ من أسرة الفقيدة الغالية، التي بادرت إلى الاتصال بالندوة مشكورة كي تسجل كلمتها في حفل التأبين، شكر الدكتور حامد بن محمد بن خليفة السويدي، ممثل الأسرة في هذه الأمسية، وشكر الهيئات الثقافية التي لبت الدعوة، وهي هيئة دبي للثقافة والفنون واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وبيت الشعر في الشارقة، وبيت الشعر في جمعية الفجيرة الاجتماعية القافية. والشكر أيضا نزجيه إلى شاعرنا الجميل المبدع الأستاذ سيف السعدي، الذي استجاب لدعوتنا، وحضر ليشنف آذاننا بإلقائه الجميل لمختارات من قصائد شاعرتنا الراحلة، ونشكر زميلتنا الشاعرة والإعلامية المتألقة الدكتورة بروين حبيب، عريفة هذا الحفل ومقدمته. كما نشكر حضوركم الجميل الذي إن دل على شئ فإنما يدل على وفائكم للقامات الأدبية التي تضيف إلى هذا الوطن ألقا، وتزيده رونقا.
وختم بقوله في حضور عوشة بنت خليفة، عليها رحمة الله، نستطيع أن نقول الكثير. في غيابها لا يسعنا إلا أن نردد ما قالته:
القــول من تكثــر هــروجــه هذيـــري ما قـــل دل وتفـــهم النـــاس معنــاه
ننظم عـقـوده في ســــلوك الحـــريـري من الذهب خوفٍ من الخيط يشعــاه
رحم الله عوشة بنت خليفة حاضرة وغائبة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأكملت د. بروين تقديمها للحفل والحضور ربما أكثر ما يدهشنا اليوم في هذا العالم المتسارع هو استمرارية الوفاء، والشاعرة عوشة ولدت بمدينة المويجعي في العين عام 1920، وسكنت مدينة أبوظبي، ثم أقامت بعد ذلك في إمارة دبي وكانت تعرف فيما مضى بفتاة الخليج، ثم اختار لها لقب فتاة الخليج صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بعد أن قام بتكريمها وتقليدها وسام إمارة الشعر إعجاباً منه بموهبتها المتدفقة وأسلوبها في عالم الشعر النبطي عام 1989م.
وأضافت حبيب فتاة العرب التي رافقتنا ورافقناها في رحلة طويلة، امتدت على مر الأجيال، فصارت نبتاً يانعاُ لهذه الأرض المعطاءة، ومن أعماق هذه الأرض، ومن أصالتها ورحابتها، جاءت الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي فكانت رمزاً مشرفاً للمرأة الإماراتية.
وأضافت بروين أن أم الإمارات صاحبة السمو الشيخة فاطمة بنت مبارك قالت في كلمتها عن فتاة العرب “لقد جاءت عوشة السويدي من بيت كرم وأصيل، وأصبحت على امتداد قرن من الزمان ابنة كل بيت في الإمارات وفي الخليج العربي”.
واستكملت بروين /من هذا البيت الكريم جاءت كلمة أسرة الفقيدة للدكتور حامد بن محمد خليفة السويدي التي ثمن فيها جهود ندوة الثقافة والعلوم في تفعيل وتوثيق العمل الثقافي والإعلامي والاجتماعي والعلمي في دولتنا الحبيبة، واللفتة الرائدة لتكريم رمز من رموز دولة الإمارات، بل منطقة الخليج والوطن العربي الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي (فتاة العرب).
وأضاف د. السويدي لم تغادرنا رائدة الشعر النبطي الإماراتي “فتاة العرب” ولكنها ستظل بيننا قامة من قامات الشعر النبطي بما تمتلكه من قصائد وأشعار ومخيلة مبدعة جسدت تفاصيل بيئتنا المحلية بمختلف أبعادها الاجتماعية والجغرافية والسياسية..
عوشة بنت خليفة السويدي جسدت عبر مسيرتها وكتاباتها توجه القيادة الحكيمة لدولة الإمارات لتمكين المرأة في مختلف المجالات، حيث أثرت الحركة الشعرية النسائية في الدولة كصوت نسائي شعري قوي وفعال يبرز مكانة المرأة الإماراتية ودورها.
وأكد على دور الأسرة وبيت العلم والدين الذي ترعرعت فيه فتاة العرب التي بدأت كتابة الشعر في سن الثانية عشرة، ونشرت قصائدها في العديد من الصحف والمجلات والدواوين المسموعة.
فقد تميزت الوالدة الشاعرة عوشة بمساجلاتها الشعرية مع كبار الشعراء في الدولة وعلى رأسهم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي وصفها في قصيدة “يا ركن عود الهوى وفنه” بأنها ركن من أركان الشعر.
وبرزت عبقرية فتاة العرب في مجاراتها الشعرية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.
وختم بقوله /لنا جميعاً أن نتباهى ونفخر بالموروث الثري الذي أودعته لنا فتاة العرب ليظل شاهداً وحافظاً للهوية واللهجة واللغة تنعم بمخزونه الأجيال المقبلة، تلك الشاعرة التي فتحت الأبواب على مصراعيها لكل الشعراء لمزيد من العطاء والإبداع.
وأكملت بروين نجحت الشاعر عوشة بنت خليفة السويدي في الخروج بقصيدة المرأة عن الوجدانيات السائدة آنذاك وعن فضاء القصائد في منطقتها التي ظلت طوال تاريخها متشحة بالسواد ومجللة بالحيرة والتردد والدموع والأحزان…
وأضافت بروين وكأنفتاة العرب أسرت القصيدة النبطية عند المرأة بطوق من القوة والعزة والألفة حتى راحت تُساجل كبار القوم وتقترب من ذائقة أبناء مجتمعها، فهي شاعرة تكلمت في زمن الصمت.. وأبت أن يكون إبداعها منسياً فامتطت صهوة القصيد.
وألقى محمد الحبسي مدير قسم الشعر والنثر – هيئة الثقافة والفنون في دبي،كلمة الهيئة وقال أشعر بالفخر وأنا ألتقي اليوم هذا الحشد الذي اجتمع على محبة الكلمة، والشغف بالفن الراقي الذي يختزله الشعر النبطي، وأزداد فخرًا لإدراكي أن حضوركم جاء عرفانًا بإحدى المواهب الفذة التي جادت بها أرض الإمارات.
إنها الراحلة الكبيرة الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي التي اختار لها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي – “رعاه الله” لقب “فتاة العرب” الذي استحقته بجدارة فائقة لغزارة عطائها طوال مسيرتها الشعرية الطويلة، وجزالة أعمالها التي أمتعت بها جمهورًا غفيرًا على امتداد رقعة الإمارات والخليج والوطن العربي الكبير، لتكتب اسمها بحروف من ذهب في سجلات الخالدين.
وأضاف الحبسي رحلت “فتاة العرب”، لكن إبداعاتها تأبى إلا أن تظل خالدة في وجداننا وعقولنا، فهي الشاعرة التي علمت نفسها الكتابة، واعتمدت على ذاتها في صقل موهبتها الشعرية، لتصبح في مقدمة شعراء النبط في حقبة مهمة كانت بمثابة مرحلة مفصلية في تاريخ الإمارات وشعبها.
لقد تجلت موهبة “فتاة العرب” في مفرداتها المميزة مجسّدة من خلالها بيئتها المحلية، لتوثق محطات تاريخية بالغة الأهمية، تمتد منذ قبل تأسيس الاتحاد، وما تلاه من تطورات اجتماعية واقتصادية شهدتها الإمارات والمنطقة، الأمر الذي يجعل من ديوانها مرجعًا تاريخيًا مداده الإبداع وأوراقه مصنوعة من العزيمة والإلهام والإيمان بمستقبل الوطن وقيادته الرشيدة، حيث كانت أبياتها غنية بعبق الزمان وروح الأماكن، حتى تلك التي لم تطأها قدماها، ولم يقع ناظرها عليها.
وأكد الحبسي أن الراحلة الكبيرة الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي “فتاة العرب” تركت إرثًا كبيرًا بيننا سيظل خالدًا بين الأجيال، ونحن على يقين من أنها ستظل قدوة لنساء الإمارات وبناتها للعمل بجد وإخلاص لخدمة الوطن، وستكون ملهمة للكثيرين من هواة الشعر وعشاق الثقافة ومحبي الأوطان في دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها.
وألقى الحبسي أبيات رثاء قال فيها:
الوداع يا قاف الخوافي الوداع يا نظم التبايين
يا كم أبدعت القوافي باحكام وأنصاف وموازين
مفنود درك در صافي ما تشوبه اشواه وتلاوين
لا ما رحل من جا وضافي فوق العمر فعل به يزين
عوشه وعاشت في اعتكافي سيرة وشعت في الميادين
خطت على طرس الفيافي زاكي الزهر فوح ورياحين
بنت العرب فخر وضفافي ضفة أدب وقول وبراهين
رحماك يا رب الطوافي ترحمها في جنات وتعين
وأكملت د. بروين أن فتاة العرب صاغت بأسلوب عذب أكثر من مئة وخمسين قصيدة نبطية، تنوعت أغراضها ما بين المديح، وحب الوطن، والمساجلات الشعرية، وتدوين حياة البادية والصحراء والبحر والكثير من فضاءات الأمل والفرح والحزن.
وفي كلمة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات استدعى الشاعر د. طلال الجنيبي أبيات من قصيدة للشاعر قالت فيها:
حد مثلي بات مشجنه حلم طيف مر خطافي
واغتنم من وجدي الونه يوم كل بالكرى غافي
جرح في جاشي امخفنه والخوافي ضربهن خافي
لي محب مني ومنه حب مثل الجوهر الصافي
لي تباين قلي المنه جان قدره عنديه وافي
والوفا مِن فني وفنه بينا ما يمشي خلافي
حيثُ لنه فِي العرب سنه خصة عِندَ الناس الاشرافي
وأضاف الجنيبي أن عوشة بنت خليفة السويدي “فتاة العرب” بدأت كتابة الشعر في سن مبكر وأثرت الساحة الشعرية بعطاءات جليلة إلى أن أصبحت رمز من رموز الشعر النبطي عموما وشعر المساجلات خصوصا مع أبرز الأسماء والقامات تأثرت بالمتنبي والماجدي بن ظاهر.
واعتزلت الراحلة الشعر في آواخر التسعينات وبقيت تروي أشعارها في مدح الرسول (ص) حتى وفاتها.
وأكد الجنيبي أن فتاة العرب ستبقى رمزاً إماراتياً خالداً في سماء الإبداع والامتاع والعطاء المميز وستدوم نبراساً للأجيال القادمة، التي ستظل تتذكر أن عوشة بنت خليفة هي صوت الأصالة في الشعر وعلم شعري نسائي سيبقى عالياً خفاقاً فوق هامة المجد.
رحلت عوشة ولم تغادرنا، بقيت في وجدان الوطن عطر يفوح ويبوح بالجمال طالما بقي الوفاء في هذا الوطن.
وعلقت د. بروين بقولها بكى القمر فقد وليفته التي ابتلعته ذات صباح.. فباح لها بأسرار النور والتوهج.. فمنحته سدة الشعر ونور الحروف وجعلته على كل لسان منذ ابتلعته صار صنوين من ضوء وضياء…
وفي كلمة بيت الشعر في الشارقة قال الشاعر محمد البريكي، أن القصيدة خلدت الوطن وخلدت الإنسان، لذلك نحن نحتفي بالقصيدة أكثر من تأبين الشاعرة التي ستبقى نبضاً خالدً، فالشعراء أبناء السماء يرجعون حين يكونون طيراً في عنان السماء، لذلك ستكون كلمتي قصيدة واقتراح لتكريم الشاعرة:
قبل عــــزف الملحّن كان عزف القصيد وقبل صوت الحناجر كان صوت الأدب
كانــت الأغنيــــات المبْـحـِــــره بالجديد وكان نبض القصيده هو ” فتاة العرب “
كل طيــــرٍ أخـَــذ من ما اكتِبَتْه النشيــــد فوق غصــن الوداع اليوم صوته انتحب
يوم شالوا النـّــعَـــشْ هَدْ الحزن كل حيد وما بقــــــى عود في الوجدان إلا اكتئب
والسمــــا كنـّـنـي أسمـــــــع بكاها شديـد وقبــــل ما تبكــي الأرواح يبكي الحطب
الله الله يا هـــذا النَّعـْـش منـْـتـَـه وحيـــــد نبْضَها فيـــك يحيي الوجد وسط الخشب
روّحت؟ لا .. ولــو أصبح جسَـدْها فقيد دورة الحـــزن تشعـِــل في الحنايا اللهب
وْشِعْرهـــا نبــْـض يشجي بالغرام المريد أحسِبَهْ نخْـــل يِسقِطْ في الشعور الرطب
يا الإمــارات “عوشه” نبضها بالوريد ترقص ابياتها بين السحـــب والمهَــــب
غطّت الزعفران بحرف نابــض فريــــد وشكّلت من شعور الوجد عقد الذهَــــب
خلّديهــــا لجيـــــل وْجيــــلْ بعْدَهْ وليــــد وخلّــــدي للزمن ” شارع فتاة العرب “
وقالت سليمة المزروعي مديرة بيت الشعر في جمعية الفجيرة للثقافة والفنون أنها ليلة تأبينية في شكلها ولكنها احتفاء بالكلمة التي جمعة هذا الوفاء من أناس آمنوا أن الخلود للكلمة وصاحبها.
وأضافت المزروعي أن هذه المنطقة من الأرض كانت شواسع من المساحات الصفراء، وكانت في نهارها خطوات مثقلة بالسعي في سبيل الحياة وفي ليلها يتمدد خلاؤها لتصفر فيه الريح، وتخفت في ديجورها كل المسارات الآمنة وترتاح تحت ضوء قمرها الأرواح من وعثاء السير فيها، أو يتمثل القمر صاحب الضوء عينه، في حلم ما في ليلة ما في بيت ما في قدر ما فتخلق البداية من القمر.
وأكملت في الحقيقة إنها لمفارقة من مفارقات العمر أن أتواجد هذا المساء ليكون لي نصيب معكم من الاستذكار والاستئثار بحرف ولد من صحراء لم ألألفها، ولم أتصالح مع رمالها، ولم أتحسس غابريتها المهيبة، إلا من خلال مصادفات هذا الحرب وتوصيفه ورسمه، وتحسس تقاطعاته اللغوية في نفسي.
أجدني في مطلع جديد لتأريخ نادر واستثنائي لسيرة تم التنبؤ لها بمثل هذا المساء، في الحقيقة هناك إيمان مطلق لدي شخصياً أن الخلود للكلمة فيها البداية التي ليس لها نهاية، اللغة التي لا تنفذ، والقول الذي ينلبس كينونة أحدهم فيفنى جسداً ويبقى قولاً تنطقه الألسن، وتتنادمه القلوب، وتستزيد منه العقول، وتحفظه مجريات التاريخ.
سرعوا أبواب الرثاء عبر الإنسانية وعبر الشعر لتدخل الفتاة
وأكدت المزروعي بقولها، شرعوا منافذ اللغة التى تطل على ثوابت الأرض بمعانيها التي تجول مجال الهواء في تلك البقعة الموغلة في الصحراء المتجذرة في الأسماع، المتطاولة بخفة على الفهم تحث مسيرها بالأثر الذي يصنع الفرق فيكون مدعاة للبقاء على مر الزمان..
وأكملت المزروعي لم تتح لي مقاربات المكان ومفارقات الزمن أن أحظى بشرف القرب أو اللقاء بالشاعرة الراحلة، غير أن شهادتي اليوم شعرية بالدرجة الأولى، لأن الشاعر ابن مكانه وزمانه، وابن أرضه وابن شعره رغم أن الشاعرة رحمها الله كانت لها تنقلات جغرافية على امتداد السنوات وتجلى هذا في مفردات قصائدها ومواضيعها الشعرية التي أسست ورسخت للأدب الإماراتي وأدب المنطقة، مع حقيقة أن الشاعرة رحمها الله “امرأة” تمكنت من شق هذا الدرب في زمن حكمته الظروف الاجتماعية ومحدودية القبول.
انطلقت الأغنية الشعبية في الإمارات في كلماتها، فخاطبت المجتمع بالكلمة الشفيفة والإحساس العميق والفصحافة والحصافة، فكانت رائدة الوقت وفارسة كلمته، إرث حقيقي للأدب والثقافة منذ ما يزيد عن 65 عاماً.
وأردفت المزروعي من “الهوى وجرحه” و”اليادل الداجي” و”حلم الطيف الذي مر خطافي” و”شعرة الفؤاد” و”كل الأمور تهون” إلى الافتخار والمساجلات والردود التي توهج معها المشهد الأدبي والخوض في مواضيع المجتمع ووصف الأشياء والأحداث، وباتت وجعاً يدلل على ارتباط الشاعرة الوثيق بالحالة الاجتماعية، وليس الأدبية فحسب.
من الاقتدار والمكانة المشهودة والتي لا تحتاج شهادة تأبين، غير أن الشاعر الإنسان عندما يغيب يتوحد شعره مع حالة الفقد، يقترن به كالقدر حاضراً كان أم غائباً، قد تطلق الأشجار حفيفاً عالياً وتسطع شموس سطوعاً وهاجاً وتهدر المحيطات، كما تقول الشاعرة الأمريكية أليس ووكر واصفة حالة موت شاعر، وهنا (يندثر القمر وتبتلعه عتمة السماء.. يغيب كلياً في ليلها.. ويطول خسوفه) عندما رحلت عائشة:
يالله ياللي للعباد معوني يا من يدبر حكمته في الكوني
يا من إلى عبده دعاه أجابه ينصف وبأمره كل صعب يهوني
يا جابر العظم الكسير بلطفه وبعزته عز الضعيف الدوني
تنظر لجسم ما بجي من حيله إلا التجلد واصفرار الدوني
تنظر لجسم ما يجي من حيله إلا التجلد واصفرار اللوني
حانه زمانه بالفراق ولده جن الزمان يطالبه بديوني
وختمت المزروعي نعم هي جدلية الحياة والموت الأبدية… وتناقضات معانيها في الحضور والغياب واللقاء والفراق لكن السيرة المأثورة يا نور الحرف وبريق الشعر هي السلوان من صحراء الغرب حتى جبال الشرق من هذا الوطن.
وفي كلمته قال الشاعر مؤيد الشيباني يحاول أن يخدعنا الموت ويقول ها قد تمكنت من منكم، والحقيقة أنه لم يستطع فشاعرة حقيقية كفتاة العرب، لا تموت، الشاعر الحقيقي يظل ويبقى خالداً يظل نبضاً للمكان ونستمع لصوت فتاة العرب.
كانت فتاة العرب شاعرة حساسة ذات مواصفات خاصة بحيث تبقى هي نبض المكان ونقول للموت لقد كذبت، هناك الكثير من الشواهد التي تعرفنا على الصورة الشعرية لفتاة العرب المثقفة بامتياز ثقافة مكانية ودينية واجتماعية بكل ما تحمله من عمق المعنى.
فتاة العرب المتمكنة من لهجتها اجتازت المسافات لتذهلنا بمفرداتها ولهجتها المتفردة، فالشاعر ابن مكانه لا توجد منطقة مياه دولية في الشعر، وفتاة العرب شاعرة بامتياز.
وقدم الشاعر سيف السعدي قراءة في قصائد الشاعرة عوشة بنت خليفة ومنها قصيدة يا فهيم في تعابيره:
يا فهيم ٍ في تعابيره عن وداد صافي النيه
لا تخلي النفس في حيره تنشد الطرشان شفجيه
كان شدو بدو لخويره عندنا خود مداميه
يسكنون افغربي الديره فالمطاييح الشماليه
لي جداهم نطرب السيره بالشفاقه هوب جبريه
يملكون انفوس ٍ اصغيره والخواطر مرحبانيه
من إخشوف أريام ٍ إحذيره لي عن القنّيص حذريه
الحسن فيهم تصاويره لي به العشّاق مغريّه
ريم راتع في مجافيره راعي العين الذبوحيه
حص جيون من مغازيره نافلٍ في حسنه اوزيه
يعل يود السحب لمنيره بالمطيره تنهل وسميّه
قاعهم تصبح مغاديره بالشطوط إمسوية عيّه
من عطا لي فضله أوخيره عم و إنعامه إلاهيه
والحيا تنبت مخاضيره من إزهور اشكال ورديه
وختمت بروين الأمسية بالشكر للدكتورة رفيعة غباش التي سعت أن تكون شاعرتنا عوشة بنت خليفة السويد حاضراً، فجمعت وتابعت دونت ووثقت في موسوعة تضم أعمالها الشعرية الكاملة بصوتها وسيرها الذاتية.. وأفردت قاعة خاصة تحتفي بفتاة العرب في متحف المرأة بدبي.