كتبت د رفيعه غباش؛
استقبلَ بيتُ الإبداع، في منطقة الحمرية بدبي، محاضرة للفنان التشكيلي عبدالرحيم سالم بعنوان “المتعة والسعادة بين ريشة الرسام وعيون المتلقي” بحضور د. رفيعة غباش ود. نجاة مكي ود. كريمة الشوملي والفنانة سلمى المري وباقة من الفنانين والمهتمين.
ومشروع “للإبداع بيت” أسسته د. رفيعة غباش ليضم مختلف الإبداعات ومحتضناً كل خيالٍ خلّاق في الإمارات. وقد حولت د. رفيعة المنزل الذي ترتبت فيه مع أسرتها إلى هذا المتحف ليكون توثيقاً واستمرارياً للإبداع والفن.
عرف عبدالرحيم سالم مفهوم المتعة السعادة، ثم ربطهما بروح الفنان وعلاقته بعمله الفني، وأعطى مثالاً للفنان عبد الله السعدي، الذي قدم عملاً ربَّما بدا – لبعض المتلقين- أنه بلا معنى فقد الصق مجموعة من الأحجار والأخشاب وغيرهما، ثم كتب معنوناً اسم اللوحة؛”رسالة إلى أمي”. فتفاوتت مواقع المتلقين بين أنها رسالة اللا رسالة، فهي رسالة من مكونات الأرضِ الأولى بكامل أمومتها البكر التي بدأت بالأرض وخشب الأشجار، مع بعض متعلقات الإنسان بعد بدء وجوده، وفي ذلك رسالةٌ كاملةُ الإنسانية، وصولًا إلى المحطة الخاصة التي انطلق منها الفنان لكي يقدم لنا هذه الدلالات المفتوحة المتعددة العامة، فيخبرنا المحاضر بقصة هذه اللوحة، ذاكرًا أن والدة الفنان كانت تزوره، وهي مقيمة في بيت آخر، فلا تجده، فتترك له أي شيء تجده في الشارع من قطعة حجر أو خشب أو بعض مقتنياتها، فكان الفنان يجمع هذه الأشياء التي تركتها والدته حين يعود إلى المنزل، ثم بعد رحيل والدته شكل منها لوحة فنية أسماها “رسالة إلى أمي”.
إن فعل الأم نفسها يضيف إلى اللوحة دلالات أهمَّ، بل ويضيف إلى اللوحة لوحاتٍ أخرى محيطة بديعة، وإن تسمية الفنان للوحة “رسالة إلى… أمي”، جزء من خطوط ألوان هذه اللوحة، فهل هي رسالة “إلى” أمِّه؟ أم هي رسالة “منْ” أمِّه!
إنها بالطبع ألوان منفتحة على المدارين، لتتحرك كل كواكب الدلالات والقراءات الممكنة في ذلك المجال. إنها أولاً رسالةٌ “منْ” أمه، وثانيًا رسالة “منه إلى” أمه، فهي استخدمت الأدوات الدالة التي كانت بحوزتها لتكتب له رسالة وصول أو وجود أو مرور من هنا، أو سؤال عنه، ثم كانت فرصته ليكتب لها رسالة بألوانه، يؤكد لها أنه لم ينس وصاياها ونصائحها التي تتمثل من علاقة الأرض بخشب الشجرة، فضلاً عن مقتنياتها التي تربط هذه الحالة بعلاقة الأم والابن.
هنا يتحدث المحاضر عن السعادة التي تملكت الفنان وهو يقوم بهذا العمل، في حين أن المتلقي قد لا تصله هذه الرسالة المكنونة في اللوحة إلا إذا سمع القصة، أو ربما يصل إلى دلالاتها العامة بعد جهْدٍ مهمٍّ لا بد أن يبذله المتلقي، حتى يعيد إنتاج اللوحة بذائقته مقابل ما أنتجه الفنان في اللوحة بألوانه في البداية.
ويسترسل عبدالرحيم سالم في هذا الطرح، ويقول: إنه –كفنان- يعيش حالة من المتعة في أثناء عمله، سواءٌ أكان هذا العمل الفني من مناظر مفرحة أم ألوان سوداء مقلقة.
هي في النهاية عملية إبداعية ممتعة، وتمام هذه الحالة يشبه حالة مشهد التتويج بالوجود، والتحقق. كل لوحة تقول –على لسان صاحبها-: “إنني هنا، موجودٌ، بلا شك”.. “لقد رسمتُكِ إذنْ أنا موجود”.
حين تنتهي اللوحة، وينجزها تصله السعادة بإنجاز القطع الفنية التي اكتملت بين يديه.
قارن سالم كذلك بين المتسلق للجبال والفنان، فالمتسلق يستمتع بممارسة هوايته في أثناء عملية التسلّق، وما يصادفه من مخاطر، لكنه في حالة متعة إلى أن يصل إلى الهدف والقمة، وهناك تتحول مشاعر المتعة إلى سعادة وصفاء ذهني لأنه وصل إلى غايته.
وفي مداخلة للمهندس الفنان يوسف ناصر لوتاه، قال إنه حين يتأمل أعمال أعمال عبدرالرحيم سالم يشعر بكآبة، لا سعادة، بالإضافة إلى أنه ظن أن الفنان حزين وقاسي وهو يقوم بهذا العمل.
وكان رد سالم إنّ ما شعرت به كمتلقي هو انعكاس لحالة بداخلك أنت، ليس له علاقة باللوحة، وهذه هي طبيعة الفن ووظيفته، أن تقرأ في الألوان روحَكَ، أن تفتح في صفحتها كتابَ وجودك أنت الآخر؛ أما أنا فكنت أقوم بهذا العمل الإبداعي وأنا في غاية المتعة، وحين أتمها أكون في غاية السعادة، وإن بدا على النساءِ الفقر أو الكآبة، وإن كانت الألوان سوداء أيضًا…
كان اللقاء حديثًا عميقًا في التلقي، أضافت له الفنانة سلمى المري أبعاداً اخرى كذلك الدكتورة كريمة الشوملي. وبهذه البداية الحوارية الممتعة انطلق بيت الابداع في الإعلان عن نوعية نشاطاته القادمة