حان الوقت لاتخاذ خطوات فعلية تضمن حقّ كل طفل في الحصول على الهواء النظيف
دبي الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
فيما نحتفل باليوم العالمي للطفل اليوم، يتنفس أكثر من 1.8 مليار طفل دون سن الخامسة عشرة الهواء الملوث بدرجة تشكّل خطوة على صحتهم ونموهم. وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم بمرور 30 عاماً على توقيع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، حان الوقت للتأكيد على أن الحصول على الهواء النظيف هو حق لكل طفل، تماماً كحق الحصول على الماء النظيف
ففي عام 1989، اتفقت أكثر من 170 دولة على توقيع الاتفاقية لتكون المعاهدة الأوسع انتشاراً والأكثر مصادقة في مجال حقوق الإنسان إلا أن الأطفال اليوم يواجهون تحديات جمة تختلف عما كانت عليه قبل 30 عاماً – إذ أصبح تلوث الهواء تحدياً بارزاً وواحداً من أهم التهديدات التي تواجه صحة الأطفال. كما أن تسعة من بين كل عشرة أطفل يتنفسون هواءً تتجاوز فيه مستويات التلوث المستويات الآمنة التي حددتها منظمة الصحة العالمية، فيما تتوقع منظمة اليونيسف أن تلوث الهواء سيصبح السبب الرئيسي لوفيات الأطفال بحلول العام 2050. ومع ذلك، لا يزال الهواء النظيف خارج إطار حقوق الأطفال حول العالم.
الجيل المقبل سيعاني من مشاكل صحية أسوأ
ينذر تنفس الهواء الملوث بأن الجيل القادم سيعاني أكثر مما نعاني نحن اليوم، والمزعج في الأمر أنهم يتعرضون للمخاطر حتى من قبل ولادتهم. فالسيدات الحوامل المعرضات لمستويات مرتفعة من تلوث الهواء قد يتعرضن لمخاطر الولادة المبكرة وانخفاض وزن المواليد ووفيات الأطفال الرضع. كما أن استنشاق الحامل للكربون الأسود و المركبات البلاستيكية الدقيقة يمكن أن يؤدي إلى انتقال تلك الجسيمات عبر مجرى الدم إلى المشيمة، مما يعرض الجنين إلى تلك الملوثات ويزيد من احتمالات تعرضه للأمراض (وبخاصة ضعف وظائف الرئة) أو الاضطرابات الذهنية في مراحل لاحقة من حياته.
ومن الجدير بالذكر أن الأطفال أكثر عرضة للتأثر بتلوث الهواء، فهم يتنفسون بسرعة أكبر من البالغين ويتمتعون بنشاط بدني أكبر، مما يعني أن أجسامهم تتعرض لكمية سموم أكبر نسبة إلى أوزانهم. فأجسامهم أصغر حجماً ذات مجار تنفسية أصغر، كما أن حجم الشرايين والأوردة والأعضاء أصغر وأجهزتهم المناعية غير ناضجة نسبياً. ويعدّ التلوث وجودة الهواء السيئة من العوامل المساهمة في تعرض الأطفال للتوحد والربو والحساسية والسكري والسمنة، كما أنه من مسببات السرطان والاكتئاب والأمراض العقلية لدى الأطفال، ويعيق عمل الجهاز الهضمي والمناعي والغدة الدرقية والجهاز التناسلي. ويكفي القول بأن هذا العبء العالمي على توفير الرعاية الصحية للجيل المقبل مرشّح للتفاقم بشكل متسارع.
ولا يقتصر الأمر على التأثيرات المترتبة على تلوث الهواء الخارجي، فتلوث الهواء في المساحات الداخلية والمغلقة، والذي قد يصل أحياناً إلى خمسة أضعاف التلوث في الخارج، له أثر بالغ على الأطفال. لماذا؟ لأن الأطفال يقضون 90 بالمائة من وقتهم في أماكن مغلقة. كما أن أولئك المقيمين في الدول النامية يواجهون مخاطر أكبر نظراً للتعرض لكميات أكبر من تلوث الهواء في المنزل نظراً لاستخدام مواقد الطهي التي تعتمد على الوقود الصلب. وهذا يعني أن السنوات المقبلة ستشهد أجيالاً تعاني من مختلف المشاكل الصحية.
تلوث الهواء يضعف تطور دماغ الطفل
بالإضافة لما سبق، فإن لتلوث الهواء تأثيرًا ملموسًا على النمو العقلي للأطفال، فالدماغ والجهاز العصبي المركزي لا يزال في طور النمو ، كما هو الحال في إقامة الروابط الحيوية بين العصيبات التي تؤثر في تطور الكلام والمهارات الحركية والذاكرة وصنع القرار والتعرف على الأشخاص والمحيط وغيرها من الوظائف الحيوية المهمة.
لا يميّز تلوث الهواء بين الأشخاص ولا يعرف الحدود، فهو يؤثر على الغني والفقير، وعلى الكبير والصغير. إلا أن تعرض الأطفال للتلوث في مراحل مبكرة من حياتهم يؤدي إلى مستقبل مثقل بمشاكل النمو، إذ أن تلوث الهواء لا يقتصر على الإضرار برئة الطفل بل يعيق النمو الذهني والذكاء.
وتظهر الأبحاث أن الأطفال الذين يتنفسون هواء يحتوي نسبة أكبر من الانبعاثات والأدخنة السامة لفترات زمنية أطول، معرّضون للإصابة بالمشاكل الصحية البدنية والذهنية بدرجة تفوق أقرانهم المعرضين للهواء الملوث بنسبة أقل. فتنفس الهواء الملوث يؤثر في قدرات الأطفال على التركيز في المدرسة وإحراز درجات أعلى في الاختبارات، فيما يؤثر في تحسين أدائهم في مراحل لاحقة من حياتهم والحصول على مؤهلات أفضل ودخل أعلى. وستتسع تلك الفجوة بين الأشخاص الأصحاء وغير الأصحاء، لتزداد الفروق الواضحة بين من يمكنه الحصول على الرعاية الصحية المناسبة للتعامل مع الامراض المرتبطة بالتلوث وبين أولئك الذين لا يمكنهم الوصول إلى تلك الرعاية – وبين من يستخدم أجهزة تنقية الهواء وأقنعة التنفس وبين من لا يستخدمها.
وبعبارة أخرى، فإن تلوث الهواء يؤثر على التطور العقلي للطفل ويعيق قدرته على تحقيق كافة إمكاناته لينعم بمستقبل أفضل ويقدم مساهمات قيّمة لمجتمعه.
هواء نظيف لكل طفل
الأطفال هم عماد المستقبل وأمل المجتمعات، ولكنهم كذلك الفئة الأكثر عرضة للأمراض في المجتمع، مما يعني أن تعديل الاتفاقية الدولية وجعل الهواء النظيف حقاً لا جدال فيه لكل أطفال العالم أصبح ضرورة ملحّة. فقد حان الوقت للعمل وإضافة الهواء النظيف إلى الحقوق المضمونة للأطفال في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.