دفاتر الوراق في ندوة الثقافة والعلوم
دبي الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
عقدت ندوة الثقافة والعلوم بالتعاون مع صالون المنتدى جلسة نقاشية للرواية الحائزة على جائزة البوكر في دورها الأخيرة “دفاتر الوراق” بحضور كاتبها جلال برجس ود. عبدالخالق عبدالله ود. مريم الهاشمي ود. أمل صقر والمترجمة د. صفاء جبران ود. بروين حبيب وزينة الشامي والكاتبة سلام بدر الدين وجمع من المهتمين والكتّاب.
أدارت الجلسة عائشة سلطان وأكدت أن مناقشة الأعمال الأدبية تفسح المجال للوقوف وعمق الرؤية، فالرواية لابد أن تقرأ مرتين أو أكثر للتشكل رؤية أوسع وأكثر عمقاً، وأكدت أن القراءة تأتي من معارف وخبرات متباينة، والذي قد يكون بديهي لدى شخص يكون مجهول لدى الآخر.
وأضافت أن رواية دفاتر الوراق تتمحور في نقطة الانفصام العقلي، وهي حيلة سردية تجعل كل ما في الرواية قابل للنسف أو الاستمرارية. وتساءلت من قال أن دفاتر الرواية هي للشخوص، فالقارئ أمام مريض انفصام عقلي، ومريض الانفصام لا يتشكل بشخصيات متعددة، ولكنه يتخيل عوالم ولا يتشظى فيها يرى أشخاص يحدثهم ويحدثونه ولكنهم غير موجودين.
وعرفت زينة الشامي بالمؤلف بأنه شاعر وقاص وروائي ومهندس طيران أردني، وشغف بالكتابة والصحافة وعمل محرراً في عدة صحف وعاد لمجال الهندسة ولكنه لم ينقطع عن الكتابة وقد حصل عن روايته “أفاعي النار” على جائزة كتارا العربية عام 2015، أسس مع عديد من زملائه ورش ثقافية ومنتديات، كما قدم برنامجاً في مجمع اللغة العربية بعنوان بيت الرواية.
وأشارت إلى أن الكاتب يركز على واقعية ما ورد في الرواية، إلا أن الرواية لا تستند إلى منطق واقعي لذلك على القارئ أن يقبل اللعبة بحضور شخصيات وأحداث وتتداخلها، فالرواية رمزية للواقع أكثر منها التصاقاً به. فمريض الذهان يرى ما لا نراه ويدخل عوالم اوسع وأكثر ضبابية بين الحلم والحقيقة وهي حيلة بارعة من الكاتب لقول ما يريد بالشخصية التي يريدها.
وذكر جلال برجس أنه مهموماً بقراءة وكتابة الرواية، ويكتب ليردم قوة معتمة في نفسه وموجودة لدى الكثير، هناك هوة في النفس تشكلت جراء ما يحيط بالإنسان العربي بشكل خاص تحتاج إلى الردم والمعالجة.
وأكد أن كتابة دفاتر الوراق استغرقت ثلاثة سنوات في الكتابة عايش فيها الشخوص والأحداث وكان إبراهيم الوراق بطل الحزن والأحلام والانكسارات والشروخات ومعظم شخوص الرواية وأمكنتها وأزمنتها، أبطال الرواية تنطلق من القاع إلى مستقبل عربي لا يرسم ملامحه ولكنه يطلق مجموعة من الأسئلة حياله، وهي من مهمات الرواية، فالرواية مقترح إنساني قد يروق البعض ولا يروق الآخر وخصوصاً رواية ما بعد الحداثة.
واشار إلى أن معايشته مع شخصيات الرواية جعلته يتلبس الحالة ويعيش حياة البطل وكأنه هو ووقع في كثير من المأزق نتيجة لتلك المعايشة.
ونوه برجس على أن فوز الرواية حرك في سياق كتابة وقراءة الرواية العربية المياه الراكدة، وأن فوزه أشعره بوصول كلمته لشريحة أوسع من القراء عربياً ودولياً لتنقل الكلمة العربية لفضاء آخر.
وأكد برجس أن هذه المرحلة من الحياة يعتبر الواقع أكثر خيالية من الخيال، بما نعيشه من غرائبية فائضة عن الحد، ومن ما يعيشه أبطال الرواية وهناك كثير من أحداث الرواية مستمدة من واقع حقيقي، فكثير من شخصيات الرواية والشخصيات المستدعاة والتي يتقمصها البطل تربها علاقة في الأحداث والانكسارات والشروخ. وأن التبعثر في شخصيات الرواية مقصود لبلوغ القارئ ذائقة النص والتفاعل معه.
وذكرت د. بروين حبيب أن اللغة هي أول ما شدها في نص برجس الطويل، كونها العامل الأكثر تأثيرا في ذائقتي، لاستمالتي وإدخالي في نشوة القراءة. وأعتقد أن لكل لغة مستويات، وأشكالا تعبيرية، وأدوات جمالية، كلها مرتبطة بموهبة الكاتب وحده، ومدى اجتهاده في صقلها على مدى سنوات من التكوين والقراءات، وقد أخبرنا كاتب «دفاتر الورّاق» عن الكثير من أسراره، عبر شخصيته المحورية «إبراهيم» الجامعة لمكوّنات الشر والخير في تركيبة غريبة، لا نجدها سوى في مجتمعاتنا، التي ترسم حدودا بين المثقف والجماهير، بين المثقف والسلطة، وبين المثقف وعالميه الواقعي والمتخيل، تقريبا هذا المثقف مصنّف كشخصية وهمية، تعيش داخل إطار من الفرجة، بحيث لا أحد يتعاطف معه، حتى حين تحلُّ عليه كارثة تراجيدية.
وأضافت بروين إنّ هذا النوع من الروايات في الغالب أدب مفاجئ، يخرج علينا على غير توقع، بين الحين والآخر ليعيد لنا الثقة في النتاج الأدبي، مع أنّه ليس حقيقيا رغم واقعيته، وليس خيالا رغم مرجعيته اللسانية، وأشكاله التعبيرية غير الملموسة. فرواية الورّاق هذه رواية عجيبة، تجعل العقل لا يهدأ لا خلال قراءتها ولا بعدها، هي رواية تأملية بامتياز، وكما قالت إحدى القارئات «النهاية جعلتني أفتح النّافذة وأنظر إلى الشارع أفتش عن أبطال الرواية».
وأشارت د. أمل صقر إلى أن رواية دفاتر الوراق من الأعمال التي تحث القارئ على الانتهاء منها، إلا أن هناك بعض الأحداث غير المبررة والمصادفة فيها مصنوعة، وأيضاً لماذا كانت المرأة في الرواية ضعيفة ومغلوب على أمرها ومعرضة للقهر والاغتصاب، وخاصة أن المجتمع الأردني معروف بفاعليته في جرائم الشرف أكثر من جرائم الاغتصاب.
وتساءلت أمل صقر ما هو معيار تقمص بطل الرواية لشخصيات من روايات عالمية وعربية كأحدب نوتردام وسعيد مهران في اللص والكلاب وغيرهم من الشخصيات.
وذكرت تيسير شويخة أن الكاتب لديه لمسة إبداعية فيها ذكاء وحنكة فتحت غطاء الانفصام والمرض النفسي لم يعط القارئ مجالا للتساؤل لأن الأساس هو المرض النفسي الذي يعتبر مبرراً لكثير من اللا معقول، إلا أن بعض الخيوط أفلتت من الكاتب ولكنها ذابت في وهم السرد في اللا معقول الذي هو أساس العمل الروائي، إلا ان هناك سؤال من يمتلك الحقيقة؟
وذكرت دارين فرحات أن أسلوب الرواية كان سلساً ومريحاً للقارئ، وهناك تميز في بناء الشخصيات، وقد رسخت الرواية في الذهن فكرة التبعثر بدء من العنوان حتى الشخصيات ومعاناتهم وتبعثرهم، كما أضاء الكاتب على بعض الشخصيات المهمشة والمسحوقة في الحياة.
وأضافت دارين أن استخدام الكاتب لفكرة القارئ النهم الذي يعيش شخصيات الرواية، إلا أن الرواية كانت واضحة جدا فقدم الرواية للقارئ بشكل سلسل ومريح ولكنه لم يعط القارئ فرصة لقراءة ما بين السطور أو استفزازه، وكذلك تكرار التفاصيل كان غير مناسب في الرواية، فكان تأثير الرواية تأثير آنياً وليس طويل المدى.
وتساءل د. عبدالخالق عبدالله هل التعقيد في الرواية مقصود، وإذا كان هذا غرض الكاتب فلماذا يجب أن تكون الرواية معقدة وتحشى بأحداث مركبة لتجذب القارئ، وخاصة أن الكاتب في رواياته السابقة كانت جاذبة وسلسلة إلا أن دفاتر الرواق فيها من اللا معقول ما يجعلنا نقف أمامها. وأكد أن اللغة رغم رشاقتها كانت مكررة في الرواية بشكل غير مقنع للقارئ، وتساءل ما مدى توقع الكاتب بالفوز بجائزة البوكر.
ووجه د. عبدالخالق تساءل للكاتبة عائشة سلطان باعتبارها ضمن لجنة تحكيم الرواية هل كان هناك إجماع من اللجنة على فوز الرواية.
وذكرت سلام بدر الدين أنها فوجئت بأن الرواية رغم ضخامة عدد صفحاتها إلا أنها سهلة القراءة، ولغتها مضبوطة ومدروسة من حيث ربط الشخصيات والأمكنة والأحداث وكأنها شبكة عنكبوتية متواصلة ببراعة فائقة.
إلا أن سلام تتوقف عند مصادفات الرواية غير المعقولة وكذلك إصابة البطل بحالة نفسية غير مبررة، وخاصة أن البطل كان ذو فكر وأيديولوجيا مغايرة تستطيع استيعاب الآخر، فمنطق الصدف في الرواية أو منطقتها في الرواية غير مستوعب، وتلبسه لشخصيات فيها تضارب متعدد الانفصام.
وأشارت د. مريم الهاشمي أن الرواية تحتوي موت وهجرة وغياب ووحدة وانتحار وغربة العولمة والفقر والحرب وهم شبكات التواصل وغيرها من المفردات الاجتماعية والحياتية، والكاتب لم يأتي بالجديد وكل ما ذكر يندرج تحت ازمة الإنسان الحداثي، ولكن الإبداع الموجود في الرواية أن الكاتب رغم تمكنه السردي استطاع أن يصل إلى ذلك الاتزان بين التشويق والكفاءة المعرفية التي تدل على جدية العمل الروائي وتخرج رواية نفسية واقعية.