علماء ولغويّون: المعجم التاريخي للغة العربية وحّد جهود 10 مجامع لغويّة
بمناسبة إطلاق المجلدات الأولى من المعجم التاريخي للغة العربية
أكّدوا أن المعجم خدمةٌ نوعيّة في الحقل المعجميّ
يعمل على إنجازه نحو 300 باحث ولغوي.
يعدُّ أضخم مشروع مؤسساتي عربيّ في تاريخ اللغة العربية.
دبي، الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
أكّد عدد من علماء وأمناء المجامع اللغويّة والعلميّة في الوطن العربي أنّ مشروع المعجم التاريخي للغة العربية، الذي أطلق مجلداته الأولى صاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشّارقة، رئيس اللجنة التنفيذية لمشروع المعجم، وحّد جهود مجامع اللغة العربية، ونجح في تحقيق مُنْجَز معرفيّ غير مسبوق في تاريخ العربية أرّخَ للمرة الأولى لمفردات اللغة العربيّة لنحو 17 قرناً من تاريخها الحافل.
جاء ذلك خلال لقاء مع أربعة من العلماء وأمناء المجامع اللغويّة العربيّة، أكّدوا فيه أهمية هذا المنجز التاريخي ودوره الكبير في التعريف بتاريخ اللغة من الفترة التي تسبقُ العصر الإسلامي إلى يومنا هذا، وتوفير قاعدة بيانات متكاملة تخدم الدارسين العرب والأجانب وتمدّهم بالكثير من الأساسيّات المتعلقة بعلوم اللغة وتاريخها.
وعن أهمية هذا المشروع قال الدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام لاتّحاد المجامع اللغوية والعلمية، الأمين العام لمجمع القاهرة في جمهورية مصر العربية: “إنّ مشروع المعجم التّاريخي للّغة العربية يسعى لكتابة تاريخ لكل مفردة في اللغة العربية منذ أن نطق بها ناطق وحتى عصرنا الحاضر، فهو يختلف عن المعاجم الموجودة التي تشكّل 5% فقط من هذا المعجم الذي نصنعه ليكون صورة شاملة عن اللغة العربية بكل كلماتها وتاريخها ومعانيها الحقيقيّة والمجازيّة، والفضل يعود للرعاية الكريمة التي يوليها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الذي بنى لهذا المعجم صرحاً وأمدّه بكل ما يلزم من أجل إنجازه”.
وتابع الأمين العام لاتّحاد المجامع اللغويّة العلميّة العربيّة، والأمين العام لمجمع القاهرة في جمهورية مصر العربية: “نتعاون في هذا المشروع مع عشرة من المجامع اللغوية العربية ويعمل فيه أكثر من 300 باحث ومختص، حيث يحدّد العمل في إجماله ثم يقسّم على المجامع المشاركة، ثم يرسل إلى القاهرة للتدقيق لغوياً، ثم إلى الشارقة ليطبع في صورة أوّلية ثم ينظر فيه مختصون من العلماء الكِبار ليتأكدوا من سلامة موادّه واكتمالها، ثم يرجع إلى القاهرة مرّة أخرى لينظر فيه وتستكمل كلّ عناصره، ثم يرسل إلى اللجنة التنفيذية في الشارقة ليطبع في نسخة ورقيّة تجريبيّة ويتم تدّقيقه مرّة ثانية حتى يكون جاهزاً للطباعة في نسخته الأخيرة”.
وأضاف الدكتور عبد الحميد مدكور: “نعمل بجهد خبراء كثر، كلّهم في توجّه ومنهج واحد، ليتم استيفاء المادة من جميع الجوانب والتأكد من سلامتها ودقّة المراجع التي نستند عليها والتي تصل إلى الآلاف، كلها تعود بتاريخها إلى عصر ما قبل الإسلام وحتى يومنا هذا، وتشمل مصادر في الشعر والنثر والأدب واللغة والفقه والتفسير والحديث والتاريخ والفلسفة وكلّ أنواع العلوم التي ظهرت باللغة العربية”.
من جانبه قال الأستاذ الدكتور خليل النحوي، رئيس مجلس اللسان العربي بموريتانيا: “أسّسنا أربع لجان للمشاركة في المعجم بمتوسط 10 إلى 13 فرداً لكل لجنة، عملت على عدد كبير من جذور حرف الألف والباء وقدّمت عملها حسب المنهج المتّبع، ثم مرّت بثلاث مراحل من التحرير والمراجعة على مستوى موريتانيا، ومراجعة رابعة على مستوى الشارقة والقاهرة، فالعمل يسير بوتيرة منهجيّة، واستطعنا أن نذلّل صعاباً كثيرة وما كان لنا أن نتجاوزها لولا الدّعم والرّعاية الكبيرة التي حظي بها المشروع من لدن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الذي حوّل هذا المشروع من مشروع فرد وبلد إلى مشروع أمّة”.
وتابع رئيس مجلس اللسان العربي: “استطاع المعجم أن يطوي المسافات التي تعذّر طيّها عبر قرون بأشهر قليلة، واليوم الحاجة ماسّة لتأريخ اللغة العربية ذات التاريخ الأطول والأعرق من اللغات الأخرى التي تعود غالباً لبضعة قرون، أما في هذا المعجم فنحن نؤرخّ لأكثر من 17 قرناً من تدوين اللغة العربية بل ما هو أبعد من ذلك، ونتتبّع ميلاد الكلمة والتغييرات التي طرأت عليها والتحوّلات الدلالية التي تقع عليها من عصر إلى عصر فهو إضافة غير مسبوقة في تاريخ اللغة العربية”.
بدوره أكد الدكتور عبد الله بن صالح الوشمي، الأمين العام السابق لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، أنّ انتهاء المرحلة الأولى من مراحل معجم اللغة العربية يعدّ إنجازاً كبيراً، يعود فضله إلى مقام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي دعم اتّحاد مجامع اللغة العربية، وشجّعه على إنجاز هذا العمل الكبير بدعم فعّال ومساندة مباشرة من مجمع اللغة العربية في الشارقة.
وأضاف الأمين العام السابق لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدّولي لخدمة اللغة العربية: “الأهمية العلميّة واللغوية التي ينطوي عليها المعجم التاريخي، تنبثق أوّلاً من حقيقة أنّه يؤرخ لواحدة من أقدم اللغات في العالم، ممّا يجعل وجود معجم تاريخيّ لها أمراً ضرورياً، كما أنّه من حق الطفل والشاب العربي أن يعرف المفردات التي تحدث بها آباؤه وأجداده، وأنّ المفردات التي ينطق بها لها مسار تاريخيّ موغل في القدم، فالسيارة في العصر العباسي كانت تعني قصيدة، والسيارة في سورة سيدنا يوسف عليه السلام تعني الناس السائرين، وما بين القصيدة والناس السائرين رحلة للكلمة تستوجب المعرفة شأنها شأن باقي المفردات العربية”.
وبدوره وصف الدكتور مأمون وجيه المدير العلمي لمشروع المعجم التاريخي أنّ الأعمال العلمية الكبرى تحتاج إلى عمل جماعي ولهذا تم التخطيط لإنجاز المشروع برعاية ودعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وبدعم وإشراف اتحاد المجامع اللغوية العربية في القاهرة، الذي يضم نخبة من المفكرين واللغوين، ممّا شكل ضمانة لنجاح هذا المشروع الكبير بإنجاز المجلدات الثمانية الأولى منه.
وأكّد أنّ أهمية المعجم الذي يعتبر أول معجم تاريخي شامل للغة العربية تتجلّى في كونه سبّاقاً على بقية المراجع التي تتناول تاريخ اللغة إلى حدود عصر ما ثم تتوقف، في حين أن مصادر هذا المعجم تم جمعها من عصور قبل الإسلام حتى اليوم، ويستشهد فيه بكل كلام عربي صحيح، مما يجعله ذا أهمية كبيرة كمصدر رئيس للعديد من الدراسات اللغوية والصوتية، وللمكتبات، كما ستنبثق عنه أبحاث كثيرة في المستقبل القريب.
وتُؤرّخُ الأجزاء الثمانية الأولى التي تمَّ الكشف عنها لتاريخ المفردات التي تبدأ بحرفي الهمزة والباء، وجاءت في ثمانية مجلدات تعرض تطوّر وتحوّل معاني المفردات ودلالات استخدامها عبر العصور؛ بدءاً من عصر ما قبل الإسلام، والعصر الإسلامي من 1-132 هجري، مروراً بالعصر العباسي من 133 – 656هـ، والدول والإمارات من 657 – 1213هـ، وصولاً إلى العصر الحديث من 1214 هـ حتى اليوم.
ويشارك في إنجاز المعجم، الذي يشرف عليه اتّحاد المجامع اللغوية والعلمية في القاهرة، عشرة مجامع عربية، ويتولى مجمع اللغة العربية في الشارقة إدارة لجنته التنفيذية، فيما يدير اتحاد المعاجم في القاهرة اللجنة العلميّة للمشروع، ويستند المعجم في إنجازه على قاعدة بيانات تم جمعها وأتمتها ووضع منهجيات وأنظمة الرجوع إليها خلال الأعوام الثلاثة الماضية لتضم اليوم قرابة 20 ألف كتاب ومصدر ووثيقة تاريخية باللغة العربية منها نقوش وآثار يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الإسلام.