مناقشة رواية “ظل الريح” في ندوة الثقافة والعلوم
دبي الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
عقدت في ندوة الثقافة والعلوم جلسة حوارية لمناقشة رواية “ظل الريح” للكاتب الإسباني كارلوس زافون، وبحضور علي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس إدارة الندوة ومترجم الرواية معاوية عبدالمجيد ود. مريم الهاشمي ود. بديعة الهاشي وفتحية النمر ولفيف من الأدباء والمهتمين والإعلاميين.
أدارت الجلسة عائشة سلطان عضو مجلس إدارة الندوة ورئيس اللجنة الثقافية معرفة بالكاتب زافون الذي وافته المنية في يونيو الماضي وقد اشتهر بكتابته للسلسلة الروائية “مقبرة الكتب المنسية”، المؤلفة من أربع روايات ترتبط ببعضها عبر الشخصيات والمواضيع المتعددة، إلا أن كل رواية منها مستقلة عن الأخرى ومنفردة بذاتها، إلا أن رواية “ظل الريح” حظيت بإقبال كبير عند صدورها.
وأضافت عائشة أن كتابات زافون تنتمي إلى ما يطلق عليه “الأدب القوطي” وهو يضم مزيج من أشكال الكتابة الأدبية الرومانسية والكلاسيك والسوداوية والإثارة وغيرها، وأن أغلب كتابات زافون تتسم بالمشاهد السينمائية نتيجة لعمله في مجال السينما قبل أن يتجه للكتابة التي خاضها كرد فعل على سطوة القصص القصية (النوفلة).
وأكد معاوية عبدالمجيد مترجم الرواية أن ترجمته للرواية يمثل ثمرة دراسة طويلة كللها بالحصول على الماجستير، وقد ترجمها من اللغة الإيطالية التي يجيدها إلى اللغة العربية، وكان كثيراً ما يعود للنص الأصلي باللغة الإسبانية لمزيد من المتابعة.
وأضاف أن هناك رسالة مبطنة في الأعمال الأدبية الكثيفة بأنه مازال ممكناً استمرارية الكتابة، وأن هناك صلة بين الأدب الذي يقدم والأسطورة، وأعمال زافون تتسم بالأسطورة المحورية الذي يدور في فلكها عدد كبير من الأشخاص الذي بالتالي لديهم خرفاتهم التي يؤمنون بها.
وقال أن مقبرة الكتب في الرواية هي طوق نجاة للناس من سطوة الخرافة، حيث يرتبط الخيال بالواقع حتى أننا لا نستطيع التمييز بينهما عند قراءة أعمال زافون.
وأكد أن زافون تأثر في عمله بالكاتب بالكاتب امبرتو إيكو في روايته اسم الوردة حيث تتشابه أجواء الروايتان.
وقال علي عبيد الهاملي أن الترجمة أمانة، وأسلوب المترجم له دور كبير في إمتاع القارئ، فهناك ترجمات تجهض العمل الأدبي، ورواية ظل الريح ترجمت بحرفية رغم اتسامها بالتداخل المتسلسل كأنها حلقات متتالية، كذلك تتعدد الشخصيات حتى أنها قاربت على 16 شخصية ولكل منها دورها المحوري ضمن أحداث الرواية، وهذا الازدحام في الشخصيات والمنعطفات والمفاجأة هو من خلق متعة العمل.
وأضاف الهاملي أن تعدد الدوائر في العمل اضطر المؤلف للتخلص من بعض الأشخاص وخلق شخصيات جدية. فمهارة السرد في الرواية لا يتوفر لدى الكثير من المؤلفين في قدرتهم على خلق الحدث. وقد أدخل الكاتب القرئ في أحداث الرواية بشكل سلسل
وتساءلت زينة الشامي لماذا لم ينقل المترجم بعض الأعمال الأدبية العربية إلى اللغة الإيطالية.
وقالت الكاتبة فتحية النمر أن هناك شخصية في الرواية “كلارا” الفتاة العمياء فرغم أن الكاتب اختارها كفيفة إلا أنها وجودها لم يؤثر على أحداث الرواية بل أشعرها أنها شخصية مقحمة، وأن الرواية كأنها قصتين متداخلتين وتسيران بالتوالي مع بعضهما، وهذا أسلوب حداثي متبع في الأدب الحديث.
وأكد معاوية عبدالمجيد أن الترجمة من اللغة الأم وبالأخص العربية التي تكون دائما حاضرة في ذهن المترجم ومولع بها ويبحث عن مفردات رديفة لها في اللغات الأخرى أو تعبيرات متشابهة مما يسبب إجهاد مضاعف عند الترجمة.
وعن شخصية كلارا الفتا العمياء فهي ليست شخصية مركزية إلا أن وجوده يصب في فكرة الحب الذي فتح الباب على مصرعيه لبطل الرواية لعالم القراءة
وأكدت د. مريم الهاشمي أن الرواية تتمتع بالكفاءة وتفوق الروعة في عبقرية السرد وخصوبة الخيال فيها، ونجد حضورا لشخصية الراحل “زافون” السينمائية والأدبية في عمله (ظل الريح)، وهناك عنصرين من عناصر هذه الرواية: ظاهرة حرق المؤلف لكتبه. وظاهرة أزمة الحداثة عند زافون.
وأضافت أن التاريخ يعرض لنا كتب يحرقها ثالبوها الذين يمقتونها أو يكرهون مؤلفيها، وأمثلة أخرى عن مخطوطات أحرقها مؤلفوها في حياتهم كالتوحيدي، أو أوصوا بتدميرها بالنار بعد مماتهم ككافكا.. ومن أبرز أسباب إتلاف الكتب شعور مؤلفيها “بالإحباط من مجتمعاتهم التي تجاهلتهم وربما حاربتهم ولم تمنحهم ما يستحقون من التقدير. هو ما نجده متوافقا مع ما في هذه الرواية..
وبالنظر عمل زافون (ظل الريح) وأعماله الأخرى نجد عالمٌ درامي، مهجور، متخلى عنه وتغمره سوداوية وخيبة أمل وإحساس بدنو الكارثة، وفي إطار هذا التصور الدرامي يكون العالم مشهدا أقرب إلى الخراب، وفي الرواية ذهب البعض إلى أخذ ذلك بالواقعية السحرية وما هو إلا تصور درامي، ولا يمكن فهم هذه الدراما من دون استحضار للتاريخ (وهو ما أتاحه لنا زافون من تاريخ لبرشلونة خلال حقبة محددة). ونجد كذلك اتخاذ الحداثة طابعا إشكاليا، تحمل في أحشائها ما يقوضها، فتطرح وعود التحرر والسعادة، وتشيح عن وجهها الهمجي في الوقت الذي تروج لقناعها الإنسانوي.
إن زمن الحداثة يتضمن عنصرين متناقضين: التقدم والارتكاز، العقلنة والأسطورة، فنجد الشعور العميق بأن الحاضر يحمل آثار الماضي، وبأن ما هو حاصل الآن ينوء بثقل ما انقضى. وهو ظاهر وجلي في ظل الريح.