د. عبد الرحمن العور: التطورات التكنولوجية غيرت ملامح سوق العمل العالمي ونوعية المهارات المطلوبة
دبي الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
تحت رعاية كريمة من سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، انطلقت اليوم فعاليات الدورة التاسعة من مؤتمر الموارد البشرية الدولي، الذي تعقده الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية تحت شعار “تحديات رأس المال البشري في الثورة الصناعية الرابعة” بالتعاون مع شركة اندكس لتنظيم المؤتمرات والمعارض، وبمشاركة 20 متحدثاً وخبيراً، وبحضور أكثر من 600 خبير ومختص في مجال الموارد البشرية من المنطقة والعالم.
وفي كلمة افتتاح المؤتمر أكد سعادة الدكتور عبدالرحمن عبد المنان العور مدير عام الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية أن القدرة على مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة، أو ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة، تشكل تحدياً يواجه معظم حكومات العالم والمؤسسات في وقتنا الراهن، وأن التطورات التكنولوجية المتسارعة، والاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وظهور تقنية البلوك تشين التي باتت تلعب دوراً محورياً في أتمتة العمليات وتوثيقها، غيرت ملامح سوق العمل العالمي، وأثرت بشكل كبير على توجهات الاستثمار في رأس المال البشري وطبيعة المهارات والكفاءات المطلوبة التي يحتاجها السوق، سواء كان ذلك في القطاع الخاص أو العام.
وقال: “علينا أن نقر بأن التكنولوجيا الحديثة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث أظهرت آخر الدراسات أن 3.6 مليار شخص يستخدمون الإنترنت حول العالم من أصل 7.6 مليار نسمة يعيشون على كوكب الأرض، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم خلال السنوات الخمس المقبلة ليصل إلى خمسة مليارات مستخدم. ومما لا شك فيه أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سيكون لها تأثيرات هائلة ومباشرة على أسواق العالم، التي ستفقد بسببها قرابة 73 مليون وظيفة خلال السنوات القليلة المقبلة، وفي ذات الوقت ستخلق التطورات التكنولوجية المتسارعة فرص عملٍ لضعف ذلك الرقم، ولكن في مجالات أخرى ومتغيرة كما تشير لذلك الدراسات المتخصصة بهذا الشأن”.
وأضاف قائلاً: “إننا في دولة الإمارات محظوظون بقيادتنا الرشيدة، التي تنبهت إلى مسألة التطور التكنولوجي المتسارع، ومنحته أهمية كبيرة، حيث واكبت هذا التطور، ووظفته في خدمة وتطوير منظومة العمل المؤسسي، وعملت على الاستثمار في الإنسان، وخلق المواهب القادرة على مواكبة مستجدات ومتغيرات سوق العمل، لتشكل بذلك تجربتها أنموذجاً فريداً للاستثمار في الموارد البشرية”.
وحول المؤتمر أكد مدير عام الهيئة أنه نجح على مدار تسع سنوات، في تعزيز مكانته كأحد أهم المؤتمرات والتجمعات المهنية المتخصصة على المستويين الإقليمي والعالمي في مجال تنمية وتطوير وتمكين الموارد البشرية، وبات منصةً معرفية وفكرية، وفرصة حقيقية لبناء شراكاتٍ استراتيجية بين القطاعات الحكومية والخاصة وأفضل بيوت الخبرة في مجال تنمية رأس المال البشري من الإمارات والمنطقة والعالم”.
الثورة الصناعية وتحديات دمج الكفاءات البشرية
من جانبه عبّر المتحدث الدولي جوني تايلور، الرئيس والرئيس التنفيذي لجمعية إدارة الموارد البشرية في الولايات المتحدة الأمريكية (SHRM) عن سعادته بزيارته الأولى لدولة الإمارات العربية المتحدة ومشاركته في مؤتمر الموارد البشرية الدولي، قائلاً: “إن شعار الدورة التاسعة من المؤتمر وهو (تحديات رأس المال البشري في ظل الثورة الصناعية الرابعة) قد جاء في وقت مناسب للغاية، ومن وجهة نظري فإن الثورة الصناعية الرابعة قد بدأت بالفعل”.
وتناول في جلسته التي حملت عنوان “بيئة عمل أكثر مرونة…مجتمع أكثر سعادة”، تجربة دولة الإمارات في مجال العمل الحكومي وإسعاد الموظفين وتوظيف التكنولوجيا في تقديم الخدمات للمتعاملين، مؤكداً أن دولة الإمارات سبقت العالم بوزارتي السعادة والذكاء الاصطناعي، وأنها من أكثر الدول إبهارا واستشرافا للمستقبل في العديد من المجالات، لا سيما مجال الاستثمار في تنمية وتطوير رأس المال البشري.
وقال تايلور: “إن الجمعية تضم 310 آلاف عضو من 165 دولة، ولديها تمثيل في كافة انحاء العالم ومنها دولة الإمارات، التي تتميز بأن متوسط أعمار مواردها البشرية يبلغ 30 عاماً، وهو الأمر الذي يسهم في خلق فرص عمل واعدة للشباب، في حين أن متوسط أعمار الموارد البشرية في اليابان يبلغ 47 عاماً، مقابل 37 عاماً للموارد البشرية في الولايات المتحدة الأمريكية”.
وأضاف: “المراقب لسوق العمل العالمي سيلاحظ أن اهتمام المؤسسات ينصب على تعيين أصحاب الخبرات والمهارات الوظيفية، وليس حملة الشهادات الأكاديمية، خاصة وأن سرعة التغيير في الوظائف كبيرة، مشيراً إلى أن 66% من الوظائف الحالية ستختفي بعد 10 سنوات، وستحل الآلة مكان الإنسان في العديد من الوظائف.
5 توجهات رئيسية تشكل مستقبل الوظائف
من جانبه أكد الدكتور باولو غالو أستاذ مساعد في جامعة بوكوني في ميلان، مدرب تنفيذي ومتحدث رئيسي، وواحد من مؤلفي الكتب الأكثر مبيعًا في سويسرا، أن مستقبل الوظائف في ظل الثورة الصناعية الرابعة يتغير بسرعة كبيرة، وأن ثمة 5 اتجاهات رئيسية تشكّل ملامح سوق العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم وهي: (العولمة والديموغرافية والتكنولوجيا الرقمية وأخلاقيات الأعمال التجارية والتعلم).
ولفت غالو إلى أن الاستقلالية في الذكاء الاصطناعي تؤدي إلى اتخاذ القرار في العديد من الأمور دون الحاجة إلى التدخل البشري، وأن 44% من وظائف المدراء ستختفي، ويتم استبدالها بالحواسيب بحلول العام 2030، مبيناً أن أحدث الدراسات المتخصصة أكدت أن 133 مليون وظيفة سيتم استحداثها خلال السنوات القليلة المقبلة، في الوقت الذي ستندثر فيه قرابة 75 مليون وظيفة على مستوى العالم.
وذكر أنه بحلول العام 2027 سيزيد عدد الأشخاص الذين يعملون بشكل مستقل، وأن 70% من القوى العاملة سيبحثون عن عمل مهم ذو قيمة ويحقق طموحاتهم بغض النظر عن الأجر، معتقداً بأن هناك حاجة لإعادة هيكلة مؤسسات المستقبل، مع الأخذ بعين الاعتبار القدرات والمهارات الموجودة بالفعل لدى الموظفين.
من جهته قال الدكتور عبد السلام المدني، رئيس اندكس القابضة: “تبذل دولة الإمارات العربية المتحدة، تحت ظل حكومتنا الرشيدة، جهودًا كبيرة لتطوير وتعزيز مهارات الموارد البشرية والمؤسسات والجهات العاملة في هذا القطاع بما يخدم أهداف الدولة وتطلعاتها. وذلك من خلال العديد من الاستراتيجيات والمبادرات الجديدة مثل توفير بيئة عمل سعيدة ومحفزة وجاذبة للمواهب والكفاءات.
بنك المهارات الحكومية يوفر فرص الاستفادة من الكفاءات بين الجهات الحكومية
بدورها استعرضت سعادة ليلى السويدي المدير التنفيذي لقطاع البرامج وتخطيط الموارد البشرية في الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية خلال إحدى جلسات المؤتمر، مشروع بنك المهارات الحكومية، الذي أطلقته الهيئة، خلال العام 2018.
وأشارت إلى أن الهيئة ترمي من مشروع بنك المهارات الحكومية إلى مساعدة الوزارات والجهات الاتحادية على الاستفادة من الخبراء والاختصاصيين لديها، عبر توثيق ذلك إلكترونياً من خلال نظام إدارة معلومات الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية “بياناتي”؛ بغية الاستفادة من إمكانياتهم في تطوير العمل المؤسسي في الحكومة الاتحادية، وترسيخ ثقافة إدارة المعرفة فيها، وتمكين الجهات الاتحادية من الاستفادة من خبراتهم ومعارفهم في مختلف المجالات والتخصصات ذات الصلة بعمل الجهة الاتحادية.
وأوضحت سعادة ليلى السويدي أن عضو شبكة بنك المهارات الحكومية بحسب الدليل الاسترشادي لبنك المهارات الحكومية، الذي أطلقته الهيئة خلال العام الماضي، هو الشخص الذي يتمتع بمعارف أو مهارات عالية في مجال محدد، والذي يعمل على اكتساب الخبرات باستمرار من خلال الممارسة العملية، والاستفادة من كافة فرص التعلم والتطوير المتاحة.
وأشارت إلى أن مشروع بنك المهارات الحكومية يعود على الموظفين بعدة فوائد منها: (التحفيز على اكتساب معارف ومهارات جديدة؛ وتعزيز الانتماء المؤسسي، ورفع مستويات الرضا والتناغم الوظيفي لديهم).
ولفتت إلى أن تحديد أعضاء شبكة بنك المهارات الحكومية في الوزارات والجهات الاتحادية يسهم في خلق بيئة عمل محفزة على اكتساب ونشر المعرفة، وتحسين الذاكرة المؤسسية، وتوفير صورة أوضح عن مستوى معارف ومهارات الموظفين، وتقليص الوقت المستخدم للتعرف على الخبير المناسب، والقدرة على تحديد متطلبات العمل واحتياجات المتعاملين بشكل أفضل، بالإضافة إلى ترشيد النفقات والاستخدام الأمثل للموارد، وتفعيل الأنشطة المرتبطة بدمج وإشراك الكفاءات ضمن تخطيط التعاقب الوظيفي في الجهة.
استخدام التحليلات التنبؤية لفهم اتجاهات الموظفين
من جانبه قدم سمويت تاندون، مدير الموارد البشرية في شركة بوينغ إنترناشيونال عن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، جلسة بعنوان “صقل المهارات وتسريع العمل لتحقيق الأهداف”، تطرق من خلالها للحديث عن التحديات الراهنة التي تواجه المؤسسات فيما يتعلق بإدارة الموظفين بشكل عام وأصحاب المواهب والكفاءات على وجه الخصوص.
واستعرض تاندون تجربة شركة بوينغ في مجال الاهتمام بمواردها البشرية، مشيراً إلى أن بوينغ تضع الموظفين على رأس أولوياتها، وهي تستخدم التحليلات التنبؤية لفهم اتجاهات الموظفين، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تعزيز قدرات إدارة الموارد البشرية لاتخاذ قرارات تخدم الموظفين، وتعزز مستويات سعادتهم الوظيفية.
جلسات اليوم الأول
وتخلل اليوم الأول من مؤتمر الموارد البشرية الدولي عقد سلسلة جلسات متخصصة ومنها: (جلسة “الأفراد في ظل التحول الرقمي” للمتحدثة نيللي بستاني مدير قسم الموارد البشرية في شركة SAP الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجلسة بعنوان “كيف يمكن للثقافة أن تؤثر على بيئة عمل المستقبل؟” للمتحدث جاك نايدو مدير الموارد البشرية في سيسكو عن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وجلسة أخرى حول “ازدهار القوى العاملة في القرن الواحد والعشرين” للمتحدث لويس غاراد، استشاري ومستشار أول في “ميرسر” الشرق الأوسط بسنغافورة.
“الأفراد في ظل التحوّل الرقمي”
وفي جلسة بعنوان “الأفراد في ظل التحول الرقمي” أكدت الدكتورة نيللي بستاني، مدير قسم الموارد البشرية في شركة SAP الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن عالم العمل في تغير مستمر، ويتوجب على المؤسسات تطوير طرق مبتكرة لإدارة الموارد البشرية وقياس قدراتها والتعامل معها، مشيرةً إلى أن المؤسسات مطالبة بالتكيف مع مختلف المتغيرات والتطورات المتسارعة، لا سيما وأن توقعات القوى العاملة للطريقة التي يجب على المؤسسات العمل وفقاً لها تغيرت بشكل كبير عما قبل، فضلاً عن أن التقنيات الرقمية المتقدمة متغلغلة في حياتنا اليومية، وتعمل على تغيير كل شيء بدءاً من الطريقة التي نتنقل بها وحتى طريقة عملنا.
وبينت أن التحول الرقمي في الشركات لا يعني الاعتماد على التكنولوجيا وتهميش الأفراد، إنما التركيز على الأفراد والابتكار والاستثمار في المواهب، مشيرةً إلى أن المؤسسات مطالبة بالاهتمام بأصحاب الكفاءات والمواهب، واحتضانهم، وتقديم الدعم النفسي والجسدي والمادي لهم، حتى لا تخسرهم.
وشددت على أن تبني المؤسسات لثقافة الابتكار والاستثمار في الأفراد هو الدافع الأول لازدهار الأعمال وتقدمها بوتيرة ثابتة، بجانب التعامل مع التحول الرقمي في المؤسسات والشركات بشكل ذكي وواعي.
“خيارات العمل غير التقليدية في ظل الثورة الصناعية الرابعة”
من جهته، لفت المتحدث عبد العزيز حارب الفلاحي، المدير التنفيذي لقطاع خدمات الدعم التقني المؤسسي بهيئة الطرق والمواصلات بدبي، إلى أنه في ظل التطورات التكنولوجية الحديثة في عدد من المجالات، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والروبوتات وتكنولوجيا النانو والحوسبة الكمية وإنترنت الأشياء والإجماع اللامركزي والمركبات ذاتية الحكم، فإن الموظفين وصانعي القرار أصبح ينتابهم شعور بالخوف من أن يوماً ما ستحل هذه التكنولوجيات محلهم وسيصبحون عاطلين عن العمل.
واستعرض الفلاحي آثار الثورة الصناعية الرابعة وخاصة الذكاء الاصطناعي على مستقبل القوى العاملة، مبيناً أن الأبحاث الحديثة التي أجرتها كبريات الشركات العالمية في مجال التكنولوجيا أكدت بأن الذكاء الاصطناعي لن يؤدي إلى فقدان الوظائف، بل سيخلق فرص عمل جديدة تزيد عن مليوني وظيفة بحلول العام 2025.
“تأثير معارض إكسبو العالمية على إكسبو دبي 2020”
من جهتها أكدت فاطمة موسى اللوغاني رئيس أكاديمية إكسبو والتوطين -الموارد البشرية والمتطوعين- في إكسبو دبي 2020 أن معارض إكسبو العالمية لا تسلط الضوء على ما حققته الإنسانية من حيث الابتكارات والأفكار فقط، بل تقدم لنا أيضاً لمحة عما سيبدو عليه المستقبل.
ولفتت إلى أن إكسبو دبي 2020 سيكون حدثاً لا مثيل له، حيث سيستقطب أكثر من 190 دولة وملايين الزوار إلى دولة الإمارات تحت شعار “تواصل العقول وصنع المستقبل”، والذي سيناقش المواضيع الفرعية “النقل والفرص والاستدامة”. حيث يتطرق الموضوع الفرعي إلى أسواق العمل في المستقبل والتي تركز على الطاقات الكامنة بداخلنا لتحقيق مستقبل أفضل.
وأشارت فاطمة اللوغاني إلى أن معرض إكسبو العالمي الذي يدعم تقنية الجيل الخامس سيستعرض كل شيء بدءاً من الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي وصولاً إلى أنظمة النقل فائقة السرعة (هايبرلوب) والبلوك تشين، وكيف ستعمل هذه التقنيات على رسم الطريقة التي سوف نعيش ونعمل بها في المستقبل.
معرض مصاحب
هذا وأقيم على هامش المؤتمر معرض مصاحب ضم 11 شركة ومؤسسة عالمية ومحلية رائدة في مجال الموارد البشرية، استعرضت خدماتها وآخر التقنيات والحلول المتخصصة في عالم الموارد البشرية.
ويقام مؤتمر الموارد البشرية برعاية شركة بترول الإمارات الوطنية (إينوك)، وشركة SAP الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبدعم كل من جمعية إدارة الموارد البشرية الأمريكية SHRM، ومجمع دبي للمعرفة.