يُمثُل الاقتصاد الرقمي وتقنيات الذكاء الاصطناعي قوتين رقميتين قد تعيد تشكيل ، وتعمل على إعادة صياغة بيئة العمل فى المستقبل بصورة كبيرة الأمر الذي قد يُؤدّي إلى انخفاض حادّ فى العلاقة التقليدية والكلاسيكية بين المؤسسات الحكومية والموظف ، وتسمح منصات جديدة بتنظيم النشاط الاقتصادي والخدميّ بطرق تؤدي إلى تحويل كثير مما كان يُنجزه الموظفون داخل المؤسسة إلى نشأة ارتباط وعلاقات وثيقة بين رياديّ الأعمال والموظفين ، والنتيجة هو اقتصاد يعتمد بصورة متزايدة على علاقات العمل لحساب الموظفين الخاصّ ، وبالتالى ما يؤسس لرأسمالية رقميّة لدى رجال الأعمال ، وتزامناً مع الاقتصاد الرقمي فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي والأتمتة المُهيّآة لاستخدام (الروبوتات) تتحسن بشكل متزايد فى أداء المهام المعرفية والمادية التى تشكل جزءاً كبيراً من عمل اليوم مما ينذر بأتمتة الأنشطة البشرية مثل: قيادة السيارات وإدارة مشروع ، ومايتبعه من اختفاء مجموعة من المهن التقليدية مثل: المحاماة والاستشارات والتجزئة والنقل ، فالتقاء هاتين القُوتيّن يؤدي إلى تغيّرات فى سوق العمل بحيث يمكن تقسيم الوظائف بدوام كامل إلى مهام ومشاريع من شأنه أن يسهل إحلال رأس المال الفردي فى شكل تقنيات التشغيل الآلي محل العمل والموهبة لدى العنصر البشري .
إن التقاء هاتين القوتين الرقميتين أدى إلى ظهور العديد من المنصات الرقمية التى تساعد على زيادة الدخل من مصادر غير التوظيف بالمؤسسات الحكومية والكثير من هذه المنصات يضفي الطابع التجاري على الأصول الشخصية من خلال دعم استخدامها الفعّال وتشمل هذه المنصات النقل (Uber) فى المملكة المتحدة والولايات المتحدة والشرق الأوسط ، ومنصة (DIDI) فى الصين ، ومنصة مثل (Airbnb) التى تمكن الأفراد من إدارة مشروع تجاري لأماكن الإقامة قصيرة الأجل من منازلهم مما قضى على مهنة السمسرة العقارية فى بلدان شتى ، ومنصات تأجير السيارات مثل : منصة (Drivy) فى أوروبا ، وتشمل أيضاً عدداً متزايداً من منصات العمل تحت الطلب والعمل للحساب الخاص مثل : منصة (UPWORK) التي لديها أكثر من 12 مليون مسجل من الموظفين لحسابهم الخاص يُقدّمون مهارات تَتنوع بين الشئون الإدارية وخدمة المتعاملين وتطوير الشبكات والمحاسبة
وبنظرة تَخيُّلية للمستقبل نجد أن المحامي الطموح قد يُؤسّس شركة محاماة صغيرة تعمل من خلال منصة للخدمات القانونية، ومن شأن ذلك أن يُمنح المحامي الشاب فرصة الوصول إلى المتعاملين من خلال قواعد بيانات المنصة نفسها وتنميتها والاستفادة من البحوث القانونية المزودة بالذكاء الاصطناعي ، وقد يقوم أصحاب المشاريع متناهية الصغر بإدارة شركات النقل بالشاحنات باستخدام أساطيل السيارات ذاتية القيادة من خلال منصة رقمية ، وقد تتم عمليات جراحية كاملة مثل: (عمليات القلب) عن طريق الروبوتات، إضافة إلى أنه قد تهتم الحكومات بتأسيس مؤسسات جديدة شبيهة بالجامعات لتوفير التعليم التقنى المنظم الانتقالي ما يتطلب توفير شبكة مهنية جديدة غير المعلمين التقليديين .. معلمين يتميزون بالكفاءة التقنية وامتلاكهم مهارات التعامل مع مثل تلك التقنيات الحديثة .. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا : هل إدارات الموارد البشرية فى الجهات الحكومية لها رؤية استشرافية فى هذا الشأن ..؟