دبي الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
افتتح في ندوة الثقافة والعلوم مساء أمس معرض “صور الحرمين” و”ندوة الخط العربي والعمارة الإسلامية” بحضور معالي محمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة محمد بن راشد والأستاذ محمد بن إبراهيم أل صبيح مدير الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بجدة، وبلال البدور رئيس مجلس الإدارة وعلي عبيد الهاملي نائب الرئيس ود. صلاح القاسم المدير الإداري للندوة ومريم ثاني وجمال الخياط أعضاء مجلس الإدارة، كما حضر الأستاذ محمد عكاشة مستشار السفارة المصرية ولفيف من المهتمين والباحثين.
تتضمن المعرض الفوتوغرافي الأول لصور الحرمين لعميد المصورين السعوديين الفنان خالد خضر مجموعة متنوعة من الصور في مختلف الأزمنة حيث اشتملت المجموعة على صور للمسجد الحرام قبل 200 عام، ورسم توضيحي لكيفية الحج والذهاب من الحرم قبل 600 عام، ومقام سيدنا إبراهيم، كذلك مشاهد من مكة في مختلف الأوقات ومسجد الرسول وباب السلام والقبة الخضراء، وجبل عرفات قديماً وحديثاً، وصور من الحرم عندما كان يضيء بالزيت وصر حديثة أيضاُ وقد لاقى المعرض إعجاب الحضور.
وعقب المعرض بدأت جلسات ندوة الخط العربي والعمارة الإسلامية وأدار الجلسة الخطاط خالد الجلاف مؤكداً أنه لم يحظ فن من الفنون باهتمام وتقدير على أعلى مستويات كما حظي فن الخط العربي منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتى وقتنا هذا، ومن شواهد اهتمامهم مزجهم بين الخط العربي وجميع الفنون، حتى أنه ارتبط بالمجوهرات والمعادن والملابس، كما ارتبط بالعمارة الإسلامية.
وأضاف وقد وجد تنوع في استخدام أدوات الخط العربي في العمارة الإسلامية حسب الدولة التي اهتمت به، فطريقة تقديم الحرف العربي في وسط آسيا يختلف عنه في المغرب، والأندلس وغيرها من الدول.
وأشار الجلاف إلى أن ندوة حروف عربية في دورتها الخامسة اهتمامها الأساسي الخط العربي، لذلك استضافت نخبة من الباحثين المتخصصين في هذا المجال ومن دول عربية يشهد له حضورها ودورها في الخط العربي والعمارة الإسلامية.
وقدم الورقة الأول بعنوان الخط العربي والعمارة الإسلامية في السعودية الشيخ الدكتور محمد الموجان رئيس محكمة الاستئناف في مكة المكرمة – الباحث في الفنون الإسلامية، وله جهود كبيرة في التعريف بالفن الإسلامي وخصوصاً كسوة الكعبة.
وأشار الشيخ موجان إلى الخط العربي ركن أصيل من أركان الثقافة والحضارة العربية الإسلامية باعتبارها جزء من التراث الحي للأمة يرتبط بلغتها وتطورها الثقافي فالكتابة هي قضة الحضارة الإنسانية نفسها، ولا توجد حضارة أولت الخط وفنونه عبر العصور اهتماماً مثل الحضارة الإسلامية التي شهدت ألواناً وأشكالاً عديدة من الفنون والرسومات، وتميز كل مجتمع عربي بفن من الفنون وجد فيه تعبيراً حقيقياً عن روحه وشخصيته وطموحه.
وأكد موجان أن الخطاط والمعماري السعودي شكلا ثنائية جميلة وصلت بفن العمارة إلى إيقاعات متزنة أكسبت البناء حلة مصدرها القرآن، وقوامها الشخصية الإسلامية المتفردة التي أرتقت بالأحاسيس الإنسانية، ويؤكد ذلك ما نراه من أقصى الشرق لأقصى الغرب حيث الخط العربي بطراز صيني وهندي وباكستاني وأفغاني، كما يوجد خط معقلياً أملته الطبيعة المعمارية في بلاد ما وراء النهر، لأن الخط يرسم بأي شكل هندسي وبأية صورة زخرفية فنية.
وأضاف موجان أن علاقة الخط العربي بالعمارة الإسلامية ارتكزت منذ بدايتها على خلفية جمالية في البناء الهندسي لكل الخط، ويوجد بينهما المنطق الفلسفي الجمالي للبناء من ناحية، والقيم الجمالية المشهدية وخصوصا ذات الطابع الزخرفي المتناغم من ناحية ثانية.
كما تميزت هذه العلاقة في بعد آخر بالتأثيرات المتبادلة بين المجالين إلى درجة شبه الارتباط العضوي التام، إذ لا تكاد تخلو العمارة من الحضور المباشر للكتابات والزخارف العربية، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الخط فغالب اللوحات الخطية المنجزة بالخط الكوفي خاصة أو بالثلث الجلي أو الديواني الجلي توحي لناظريها بالهندسة المعمارية المتناسقة في بنائها ووضعها وهيئتها ورونقها العام. وهذا التكامل والتناغم بين الفنين يدل على المصطلحات الفنية المستعملة في كليهما من بناء وقاعدة وانحناء وتوازن وتعد الكتابات والنقوش الإسلامية من أهم المصادر الأثرية المادية الملموسة لما توفره من معلومات مهمة لدارس التاريخ والآثار والحضارة الإسلامية.
وأردف موجان أن الكتابات والنقوش الإسلامية تعد من أهم المصادر الأثرية المادية الملموسة لما توفره من معلومات، وباعتبارها تزود الباحث بحقائق جديدة قد لا يجدها في المؤلفات وتكمل نقصا في كتابات المؤرخين بسبب عدم وجود صلة بين ما يكتبويه في مؤلفاتهم وبين الكتابات الأثرية سواء أكانت منقوشة أم مسكوكة أم منسوجة أم مطرزة، مع أن لنصوص هذه الكتابات الأثرية شأنا عظيما في تأييد أقوال المؤرخين أو اثبات خطئهم، أو ترجيح رأى على أخر.
وأضاف موجان على الرغم من الأهمية الخاصة لمكة المكرمة في الدراسات التاريخية والآثار والحضارة، فضلاً عن أهميتها الدينية بوصفها مهداً للإسلام، ومقصداً لكل حاج ومعتمر ومجاور لبيت الله الحرام، فإن الكتابات والنقوش في هذه المنطقة المهمة والرئيسية من العالم الإسلامي لم تحظ ولفترة طويلة بما تستحقه من اهتمام الباحثين والدارسين برغم أن منطقة مكة المكرمة تعد من أغنى مناطق المملكة بالكتابات والنقوش الإسلامية، بدءاً من القرن الأول الهجري، ثم ما تلاه من قرون، ومع عدم إنكار بعض المحاولات المبذولة من قبل بعض المؤرخين والرحالة وعلماء الآثار الغربيين، إلا أنها كانت محاولات فردية ظهرت في بحوث ومقالات لم تعط صورة واضحة عن أهمية الكتابات والنقوش في هذه المنطقة.
وأكد أن النقوش الموجودة علد عدد من المنشأت المعماري من مساجد ومدارس وعيون وأسبلة ومضارب وغيرها هي نصوص تأسيسية وزخارف وكتابات ثابتة ومنقولة منقوشة بالخط الكوفي وخط النسخ والثلث على العمائر الإسلامية في مكة، ومن خلال تتبع تلك النقوش تبين تنوعها وثراء مضامينها بما احتوته من معلومات مهمة أضفت كثيراً من الحقائق التي لم تدون تاريخياً، ومن أهم تلك النقوش وأقدمها نقوش المسجد الحرام المكتوبة بالخط الكوفي والثلث.
وأكد موجان أن بعد تتبع جميع النقوش كشف عن أعمال لبعض الخلفاء العباسيين لم يبح بها المؤرخين سواء كانت أعمال معمارية أم تجريدات وتعمير كما عرفت بأشهر خطاطي مكة في القرنين السادس والسابع الهجري وهو عبدالرحمن بن أبي حرمي الذي تميز بخط النسخ ونقش عدة نصوص تأسيسة.
وقدم محاضرة الخط العربي والعمارة الإسلامية في المغرب الدكتور محمد عبد الحفيظ الباحث والخطاط في مجال الإيبوغرافيا وهو علم الخط من خلال شواهده المادية، حاصل على الدكتوراه في التاريخ والتراث المغربي مؤكداً أن الخط العربي علما قائما بذاته، فهو – كأي علم من العلوم – له تأصيلاته المفاهيمية، وتأسيساته البنوية، بل وحتى مقارباته المنهجية، ونستخدم كلمة: “علم” للتعريف به، لأن كلمة: “فن” التي وإن كانت صفة تليق بالخط – من حيث هو إبداع يتجدد – إلا أن الاقتصار عليها، فيه ما يفيد التقزيم والتحجيم، إلى حد إفراغ هذا العلم من محتواه، بل إن كلمة: “فن” حين إضافتها إلى كلمة: “خط” قد يتغير مدلولها الاصطلاحي ومؤداها المفاهيمي، إذ قد ترتبط بقراءة الطوالع والتنجيم كما كان عليه الأمر – على سبيل المثال لا الحصر – في عصر الدولة السعدية التي سُمي فيها “علم التنجيم” بـ: “فن الخط” . وحتى لا يكون كلامنا هذا على عواهنه، نشير إلى أن الخط يُفترض فيه أن يرتبط بمنهجين اثنين:
أولهما: “المنهج العلمي”؛ وله دلالة وظيفية تقوم على أساس التحليل والتعليل، والمقاربة والمقارنة، ومن ثم الاستدلال من خلال تحديد موطن كل شاهد نصي أو مادي، للخروج في النهاية بأحكام قيمية، واستنتاجات معيارية، قد تساعدنا على إعادة بناء العلاقة السببية بين الخط والفنان والمتلقي من جهة، وبين الأستاذ والتلميذ من جهة أخرى.
الثاني: “المنهج التعليمي”؛ وله دلالة فنية تقوم على أساس الصنعة واكتساب وإكساب المهارة، ولا شك أننا حينما نربط الخط بالمنهج التعليمي، فإننا سنجده يتقاطع مع الإبداع الفني الذي تجسده “اللوحة” وما شابهها من الأشكال التعبيرية الأخرى.
وأضاف د. عبدالحفيط أن الخط ظل سجينا لهذا المنهج – أي: المنهج التعليمي – مما كوّن تصورا خاطئا دفع بعض الساهرين على مناهج التربية والتكوين إلى إقصائه من المنظومة التعليمية في المغرب، منذ الأسلاك الأولى التي يتدرج فيها التلميذ إلى أن يصير طالبا، ظنّا منهم أن الخط يعبّر فقط عن الجانب الجمالي، والحقيقة الواضحة الصابحة، هي أن الخط ينبغي لنا – من باب الضرورة – أن نربطه بالمنهج العلمي أولا، لأنه يتقاطع مع مجموعة من التخصصات الأخرى، التي تتعلق تعلقا بنيويا بالجامعات والمعاهد العليا في المغرب.
وقال د. عبدالحفيظ أن أحوال المدينة المغربية وتطوراتها المعمارية والعمرانية – باعتبارها “حاضنة” حضارية – تُعد من أهم مميزاتها، إن لم تكن من أهم ضرورات المجتمع المدني، ولعل هذا الأمر هو ما عبر عنه ابن خلدون بقوله: “واعلم أن الخط ليس بكمال في حقهم [أهل المدن]، إذ الخط من جملة الصنائع المدنية المعاشية..” . كما عبر عنه في موضع آخر، بقوله: “وهو صناعة شريفة، إذ الكتابة من خواص الإنسان… وخروجها في الإنسان من القوة إلى الفعل، إنما يكون بالتعليم، وعلى قدر الاجتماع والعمران والتناغي في الكمالات والطلب، لذلك تكون جودة الخط في المدينة، إذ هو من جملة الصنائع” .
وقد تفنن المعماريون خلال العصر المرابطي في صنع قباب جامع القرويين وبناء أقواسه، فضلا عن نقش نصوصه الكتابية التي تضمنت في معظمها مختلف النصوص الدينية (آيات قرآنية وأدعية مأثورة)، والنصوص التاريخية أو الإخبارية التي تحدد تاريخ إنجاز الكتابة واسم من أمر بإنجازها.
وأشار إلى أن تطور الخط ارتبط بترسخ العوائد الحضارية لكافة الشعوب الإسلامية بمقتضى العلاقة السببية بين تطور العلوم والفنون وتطور “المراكز الحضارية” وإلى أقدم الكتابات المنقوشة في جامع القرويين بعد تأسيسه خلال العصر الإدريسي وعرض مجموعات من النماذج لمختلف الخطوط والنقوش.
وأكد معالي محمد المر تقديره لدور المرأة في الحضارة الإسلامية من حيث مساهمتها في مجال الخط والعمارة الإسلامية، وأكد أهمية تسليط الضوء على تلك النماذج، وعن العمارة الإسلامية والمعالم التاريخية في السعودية أشار معاليه إلى أهمية توثيق تلك الشواهد والنماذج في إصدارات تلقي الضوء على تلك الجهود.