وباء كورونا ينقل العالم من العولمة إلى العزلة وبداية لظهور نظام عالمي جديد
طالب غلوم طالب - كاتب وشاعر اماراتي
إن تفشي وباء الكورونا بهذه الصورة تغير معه الكثير من المفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية . فعاصفة الخوف من انتشار المرض أضحت تسيطر على عقول شعوب العالم، الخوف من أن يتفشى المرض بصورة أسرع بكثير قد تصل إلى سرعة الإصبع وهو يضغط على زر النشر على الفيسبوك أو التويتر ، هذا الخوف الذي قد يعيد التفكير الإنساني بضرورة صوغ ونسج معان جديدة للحياة ، معاني قائمة على الإنسان وليس المنتج ، معاني تعي التكلفة الباهظة التي دفعتها البشرية بسبب هذا الفيروس القاتل وتدفعه حتى الان .
فهناك نظام عالمي جديد قد يتمخض في ظل الإجراءات الاحترازية التي تنتهجها الدول لاحتواء أزمة انتشار فيروس (كوفيد – 19) ، حيث تظهر بعض التصورات الاستشرافية فيما بعد أزمة تغييرات جذرية على عدة مستويات منها
أولاً على المستوى السياسي : ففي ظل التنافس التقني والرقمية ، والحرب التجارية الشعواء بين واشنطن وبكين خلال عام 2019م ، تؤكد الشواهد ترشح تفوق الصين كقوة عظمى ، فقدرة الصين على احتواء انتشار الفيروس في فترة زمنية وجيزة والذي تحقق من خلال تشديد الرقابة على المواطنين عبر التفوق في المنظومة التقنية التي تعتمد عليها للسيطرة على الوباء؛ أو كما يحلو لبعض الخبراء السياسيين (ديكتاتورية الرقمنة) كانت دافعاً لتلك التصورات الاستشرافية عن النظام العالمي الجديد والذي تسوده دولة الصين كبديل عن الولايات المتحدة الأمريكية.
ثانياً على المستوى الصحي : فقد وضعت أزمة انتشار وباء الكورونا حتى الآن أكثر من مليار نسمة تحت سيطرة أنظمة الطوارئ الطبية المتحكمة ، ما سوف يؤدي إلى إعادة تقييم الحكومات المهيمنة للأولويات ، وهذا ما يؤدي إلى زيادة انفاق الحكومات والمستثمرين في القطاع الصحي والأبحاث الطبية في مواجهة الفيروسات تحديدا .
ثالثاً على المستوى الحكومي : سوف تزداد ثقة المواطنين في حكوماتها وخاصة في دول الخليج العربي وذلك لما توفر لهم الحكومات من عناصر الأمن والحماية وتبذل قصارى جهدها لحماية المواطن من الإصابة بالفيروس ولا سيما في دولة الإمارات العربية المتحدة ، التي وضعت أهدافاً استراتيجية لتطوير منظومة الحكومة الالكترونية في كافة الجهات الحكومية الإماراتية لتقديم الخدمات من خلال تطبيقات إبداعية لم تكن موجودة سابقاً من شأنها أن تسهل الحياة في المجتمع الإماراتي
رابعاً على المستوى الاجتماعي : فرغم التباعد الاجتماعي والعزلة الذي تفرضها الدول داخلياً للحد من انتشار الفيروس إلا أن روح التعاطف العالمي بين الدول والشعوب تظهر جلية فيما نشهده حالياً في الكثير من دول العالم ، فرغم ما تمر به كل دولة في مواجهة انتشار فيروس كورونا إلا أنها تقوم بإمداد الدول الأخرى الأكثر تضرراً بالمعونات الطبية والمساعدات الوقائية التي تحد من انتشار الفيروس ودور دولة الامارات العربية المتحدة جلي وواضح في تزويد الدول وشعوبها بالامدادات الطبية والصحية على مدار الساعة دون نفرقة بين دولة ودولة ، وما نلمسه أيضاً في التبرعات الإنسانية والخيرية التي يتبرع بها العديد من رجال الأعمال في العالم لإنقاذ الشعوب .
خامساً على المستوى التقني : ففي ظل هذا الوضع المتأزم سوف تزدهر التجارة الإلكترونية وتتعزز مكانة الحياة الافتراضية عبر الإنترنت ووسائل تواصلها المتعددة بشكل لم يسبق له مثيل.، كما سوف تزداد الثقة بالقطاع التقني وتصميم خدمات مؤتمتة استباقية تعتمد بالأساس على سلوكيات المتعاملين ، بالإضافة إلى اختفاء العديد من الوظائف وظهور وظائف جديدة مستحدثة قائمة على التوظيف االتقني / الذكي الجديد.
سادساً على المستوى الأكاديمي والتعليمي : سوف تتغير منظومة التعليم في المدارس والكليات والجامعات ليتواصل الطلاب عن بعد عبر الانترنت من المنزل مع بعضهم البعض ومع مدرسيهم وأساتذتهم ليفسح المجال لتطبيق مفهوم التعليم الذاتي الذي يعتمد فيه الطالب على نفسه في البحث عن المعلومات ويتم التواصل عن بعد ليكتشف إمكانية الاستفادة من تلك المعلومات وتوظيفها في الحياة العلمية والعملية
أخيراً ضرورة مد جسور الأخوة الإنسانية : إن هذا الفيروس رغم خطورته الشديدة إلا أنه يزيد من تكاتف المجتمع الدولي، دون تمييز بين الشعوب والأديان والاعراق والطوائف ، وبداية الطريق إلى العودة إلى المنطق الإنساني والروح الواحدة، واستشعار الخطر الواحد الذي يهدد الجميع على قدم وساق دون تمييز بين امرأة أو رجل أو طفل أو عجوز أو من دين دون الآخر، فالجميع مدعوون إلى أن نبقى متحدين لأن تلك الوحدة الإنسانية هي من سيهزم هذا الوباء الذي يشكل اختباراً لإنسانيتنا .