يعرف تغّير البنية الاجتماعية بأنه كل تحوّل يحدث في النظم الاجتماعية خلال فترة زمنية محددة ، كما أنه يشير إلى أنواع التطور التي تُحدِث تأثيراً في النظام الاجتماعي ، مع الاعتراف بأن التغيّر ضرورة حياتية للمجتمعات البشرية لأنه وسيلة بقائها ونموها باستمرار . ويعدّ التغيّر الاجتماعي جزءاً من التغيّر الحضاري الشامل في المجتمعات البشرية . كما يشير التغير الاجتماعي إلى الأوضاع الجديدة التي تطرأ على البناء الاجتماعي أو النظم والعادات وأدوات المجتمع نتيجة لقاعدة جديدة تم تطبيقها وسنّها باتفاق ضمني بين أفراد المجتمع لضبط السلوك .ونتوقف هنا أمام مصطلح البناء الاجتماعي الذي يتضمن جميع العلاقات الاجتماعية ما بين الأفراد .
ويأتي العامل البيئى في مقدمة العوامل المسبّبة للتغيّر في البناء الاجتماعي لما له من الأثر الأكبر في السلوك الاجتماعي ، وهذا ما جاء به بن خلدون في القرن الرابع عشر في مقدمته “البيئة الجغرافية وأثرها في اختلاف طبائع وصفات البشر الجسمية والعقلية والاجتماعية والنفسية والخلقية” ، ويتضمن العامل البيئي كل من (المناخ ، الموقع الجغرافي ، الكوارث الطبيعية وما يصاحبها من أمراض وأوبئة.مثل : جائحة كورونا حاليا مثلا )، فقد رصد علماء النفس الاجتماعي مجموعة من الأنماط السلوكية والنفسية الاجتماعية لها صلة بأزمان الأوبئة، مثل: الطاعون ،ومرض الإنفلونزا الإسبانية، وهو ما أدى إلى الاهتمام بدراسة أنماط استجابات المجتمعات خلال أوقات انتشار الأوبئة، وظهر في هذا الإطار مفهوم “سيكولوجيا الأوبئة” (
الاستجابات الاجتماعية السلبية (حرب الكل ضد الكل) :
فمع تأثير الأوبئة، تشهد المجتمعات موجات من الخوف الجماعي – ان صح التعبير ، إضافة إلى حدوث ثورة بل طفرات متتالية في طرح التفسيرات العشوائية المتصلة بأسباب هذه الاضطرابات الجماعية جراء الوباء، مما يؤدي إلى موجة من التناقضات وزخم متعدد من السلوكيات الاجتماعية السلبية ، ومع عدم توافر معلومات أو توقعات أو ضوابط متعلقة بالأوبئة وكيفية انتشارها ومكافحتها… في هذه الحالة تكون الاستجابة الاجتماعية لهذا التهديد عبارة عن تَغيُّر سلبي في ممارسات وسلوكيات الأفراد يتضح جلياً في اتجاهات الشراء والمبالغة في الإقبال على تخزين سلع استهلاكية غير ضرورية وهذا مشاهد بجلاء في مجتمعاتنا العربية وغير العربية من التهافت على تخزينها والوقوف في طوابير طويلة للحصول عليها . ومع ازدياد الشعور بالشك فيما يحيط بالفرد، والشك في الآخر، من أن يكون ناقلاً للوباء، أو الشك المتصل بانتشار الشائعات، وهو ما يمثل عائقًا أمام ممارسة التفاعلات الاجتماعية.
الاستجابات الاجتماعية الإيجابية:
كما تتأثر منظومة القيم وأنماط التدين لدى بعض الشرائح الاجتماعية ، ويظهر هذا في تمسك الفرد بمنظومة القيم التي تُفسر ما يحدث، وتوجهه نحو سلوكيات بعينها، مثل ممارسة الشعائر الدينية والدعاء إلى الله لتخفيف وطأة انتشار الوباء أو الاتجاه للأعمال الخيرية والتي من شأنها تخفيف معاناة الفرد النفسية ومعها تظهر لدى الأفراد الرغبة في الاحتماء بالقيم والدين والمعتقدات الاجتماعية الأخرى . ومن الملاحظ أن الفجوة بين الفرد والمجتمع تقل مع انتشار الأوبئة، حيث يشعر الفرد بأن مصيره مرتبط بمصير المجتمع ككل ، ويَظهر نوعٌ من الشعور الجماعي والتضامن كنوع من التحفيز وشد أزر أفراد المجتمع الذي يعاني من تهديد الوباء، مما يحفز أفراد المجتمع على خلق أفكار ومبادرات للمساعدة لمواجهة الوباء أيا كان نوعه وبتواضع أن أفضل الحلول الناجعة هي الحلول الاستشرافية – في نظري – لأن الحسابات تتغير من وقت إلى وقت . فاليوم مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة غير عن الأمس فخلال شهرين تغيّرت قناعات اجتماعية وثقافية واقتصادية …فالام أصبحت أقرب من أبنائها بشدة ، و كذلك الأب وأصبح هناك تجانس بين الأسرة .فالمرض غيّر مفاهيم كثيرة .فمنظومة العمل عن بعد ليس مجرد عمل وكمبيوتر . ففي الأيام القادمة ستتحول المباني الحكومية ومكاتب الموظفين والمدراء إلى شيء من الماضي لن يبقى الا الموظف المبدع و المنتج الذي يستطيع إدارة نفسه والآخرين وستختفي البطالة الهامشية وستتحول بعض القطاعات الى قطاعات منتجة وبقوة….لأن النظام عن بعد خلق أمانا اجتماعيا لللاسرة الواحدة وخفّف حدة التباعد إلى التقارب الوجداني ….وبصورة أقرب للتوضيح مواضيع : الزواج وحتى العزاء قلت مظاهر الإسراف والتبذير فيهما حتى أصبح الزواج أخف وأيسر على الزوج لتخفيف أعباء المصاريف والتكاليف جراء دعوة الناس إلى زفافه بل يقتصر على البعض القليل من المدعوين من الأهل والأقرباء.وأمام هذه الحالة تظهر أفكار جميلة فمثلا : لماذا لا يتبرع المتزوج أو الزوج أو الزوجة بمبلغ يسير لإحدى الجمعيات الخيرية كصدقة جارية عنه وعن زوجته أو أهله أو يتبرع لإحدى الدول الفقيرة من خلال الجمعيات الخيرية المشهود لها بالكفاءة والمصداقية ، وبهذا يعزز سمعة المجتمع والدولة في الأعمال الخيرية هذا جانب ، والجانب الاخر : يمكن لأهل الميت والعزاء إدامة العمل الخيري للميت وأهله بدلا من الانفاق في الأكل والشرب والمظاهر التي لا تفيد أحدا. فهذا نمطان اجتماعيان قد يحدثان فرقا في سلوكيات المجتمع ويخلق جوا من الخيرية والعمل الخيري المستمر في أفراد هذا المجتمع لأن اليوم يقدّم كورونا دروسا مجانية للمجتمع حتى يغير سلوكياته وعاداته الاجتماعية إلى أخرى أكثر وعيا وترشيداً وفكراً وبهذا نحول كمجتمع الازمات الى فرص وقيم جميلة تستمر معنا رغم اندحار وانحسار وأفول الازمات وهذا هو المجتمع الواعي المتعلم الذي يمتص جميع التحديات ويحولها الى فرصا كبيرة ونتائج متميزة تعزز من سعادة افراده دوما .