فاطمة المزروعي وجيلبرت سينويه يجيبان: هل يحق للروائي تغيير وقائع التاريخ؟
خلال جلسة ضمن "فعاليات الشارقة الدولي للكتاب"
الشارقة الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
استضاف معرض الشارقة الدولي للكتاب ضمن فعاليات دورته الـ 39 التي تستمر في مركز إكسبو حتى 14 نوفمبر الجاري، الروائية والقاصة الإماراتية فاطمة المزروعي، والروائي والمؤرخ الفرنسي جيلبرت سينويه، في جلسة حوارية عقدت (عن بعد) عبر “منصة الشارقة تقرأ”، للحديث عن توظيف الخيال في كتابة الرواية التاريخية، وتأثير الحقائق والواقع على الأدب.
واتفق ضيفا الجلسة أن الأحداث التاريخية بشخصياتها المثبتة والحقيقية، تضع الكاتب أمام إشكاليات توظيف تصوراته دون تغيير في الوقائع التاريخية الثابتة، الأمر الذي يحد من حرية الكاتب، ويدفعه إلى ابتكار الأدوات والحلول التي من شأنها أن تساهم في إنجازعمل إبداعي من دون تشويه للحقائق.
واستهلت فاطمة المزروعي الجلسة بالتأكيد على وجود خلط بين مفهومي الروائي التاريخي، والمؤرخ لدى الكثيرين، موضحة أن المؤرخ هو من يقوم بكتابة الأحداث التاريخية وتوثيقها، مستعيناً بالوقائع الثابتة، والمصادر والوثائق المؤكدة، فيما يقوم الروائي بالاستعانة بتلك الوقائع ووضعها في قالب روائي، ضمن تصورات خاصة حول الشخصيات والزمان والمكان.
ووصفت المزروعي كتابة الروايات التاريخية بالصعبة، مشيرة إلى أن كتابتها تحتم على الروائي تحري الدقة والمصداقية، وعدم تشويه الحقائق والوقائع الثابتة، واللجوء إلى البحث والتقصي عبر مصادر موثوقة تتناول القضايا والأحداث التاريخية، وأن يكون حذراً في نقل ووصف تلك الأحداث لتجنب الوقوع في خطأ تشويه التاريخ.
وشددت الروائية الإماراتية على أهمية امتلاك الكاتب لمهارات تطويع الأحداث التاريخية، والتخفيف من حدتها حتى تجد قبولاً لدى القارئ، مرجعة ذلك إلى أن التاريخ يعتبر عند الكثيرين مادة صلبة، وتحتاج إلى تطويع ضمن إطار روائي ينقل تسلسل الأحداث بسلاسة.
وبينت المزروعي أن الأدوات التي يستخدمها كاتب القصص والروايات العادية، تختلف عن أدوات وعناصر الأدب التاريخي، نظراً للمساحة الواسعة التي تتيحها تلك الأعمال أمام خيال الكاتب، بعكس الرواية التاريخية التي تتناول حقائق ووقائع تستدعي الحذر والدقة.
وأشارت المزروعي إلى أن الجمهور في عمومه، يحب الاطلاع على التاريخ ووقائعه العديدة، عبر قوالب روائية ممتعة، غير أن تجنب العديد من الكتّاب للخوض في الروايات التاريخية، يعود للمحاذير التي يفرضها هذا النوع من الأدب على الكاتب، بالإضافة إلى الجهد والوقت المضاعف، الذي يتطلبه إنتاج عمل روائي قيّم، فضلاً عن أن ملكة الكتابة في هذا الأدب تختلف من كاتب إلى آخر.
من جانبه اتفق جيلبرت سينيويه مع المزروعي حول صعوبة كتابة الروايات التاريخية، مشيراً إلى أنها تتطلب تحقيق توازن بين توثيق التاريخ، وتصورات الكاتب، مما يستدعي إجراء أبحاث كثيرة، قد تصبح طاغية على مشاعر الكاتب، ويتحول إلى أسير لتلك المشاعر، وتتسبب في إحداث خلل في بنية الرواية.
ويؤكد المؤرخ على حق المؤلف في قول ما يرغب به على لسان الشخصيات التاريخية، شريطة أن لا ينسب إليها ما لم تقله، وما لا يليق بمكانتها، في حين يمكنه التحدث بلسان الشخصيات غير المثبتة كيفما شاء باعتبارها شخصيات مختلف عليها.
وحول تجربته في تسليط الضوء على حياة المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أوضح أنه زار الإمارات قبل 15 عاماً، حين بدأ يسمع عن الشيخ زايد رحمه الله، وعند عودته إلى فرنسا بدأ بالبحث والتقصي عن دولة الإمارات، وعن هذا القائد العظيم، عندها قرر البدء بكتابة رواية، يتحدث فيها بصوت الشيخ زايد عبر 250 صفحة.
وحول الفرق بين كتابة الرواية والسيناريو التلفزيوني أو السينمائي، أكد سينويه أن الكتابة الروائية تعتمد في العادة على شخصيات يصنعها الكاتب من وحي الخيال، في حين أن كاتب السيناريو هو من يمنح الشخصيات حياة، باعتبار أن النصوص السينماية يؤديها أشخاص وممثلون حقيقيون، مشدداً على اختلاف تقنيات الكتابة بين الرواية والسيناريو.
وشدد المؤرخ الفرنسي على أهمية الحيادية في الكتابة، وعدم جنوح الكاتب إلى إسقاط قناعاته الشخصية على العمل، لا سيما تلك الأعمال الأدبية التي تتعلق بالسير الذاتية، في حين يمكن للكتّاب والمؤرخين طرح الأسئلة: “لماذا”؟، لماذا حدث هذا؟، ولماذا قال ذلك؟ باعتبارها حرية متاحة أمام الكتّاب، ومهمة في تحفيز القارئ.
وفيما يتعلق بالنصوص الروائية التي يقرأها الجمهور دعا سينويه القرّاء إلى عدم تبنّي ما يقرأونه كحقائق ثابتة، وأن عليهم التفكير في المعلومات التي يقرأونها قبل أن يضيفونها إلى خزائن أفكارهم ومفرداتهم كمسلّمات.