كلمــة معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي في المنتدى الإقليمي للضرائب في الدول العربية
المدير العـام رئيس مجلس الإدارةصندوق النقد العربي
دبي – دولة الإمارات العربية المتحدة
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة الحضور،
أسعد الله صباحكم بكل خير،
إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بكم في مدينتنا الجميلة دبي، مع إنطلاق أعمال المنتدى الإقليمي للضرائب في الدول العربية الذي ينظمه صندوق النقد العربي، بالتعاون مع وزارة المالية في دولة الامارات العربية المتحدة والهيئة الاتحادية للضرائب والمركز الدولي للضرائب والاستثمار، كملتقى لصانعي السياسات المالية والضريبية في دولنا العربية.
اسمحوا لي بدايةً أن أعبر عن خالص الشكر والامتنان لمعالي عبيد حميد الطاير، وزير الدولة للشؤون المالية في دولة الامارات العربية المتحدة، على دعم معاليه للفعاليات والأنشطة التي ينظمها صندوق النقد العربي. والشكر موصول للزملاء في وزارة المالية والهيئة الاتحادية للضرائب في دولة الامارات العربية المتحدة، في مقدمتهم سعادة خالد البستاني الرئيس التنفيذي للهيئة على الدعم الذي قدموه، وعلى جهودهم وتعاونهم مع زملائي في الصندوق، في الإعداد والتحضير للمنتدى والعمل على توفير كل السبل التي تساهم في نجاحه لتحقيق الأغراض المنشودة منه.
كما لا يفوتني في هذه الافتتاحية، أن أعرب عن خالص الترحيب بالسير “مارك مودي”، رئيس مجلس الإدارة للمركز الدولي للضرائب والاستثمار على التواجد معنا في المنتدى، وعلى تعاون المسؤولين في المركز في الإعداد للمنتدى، بوجه خاص السيد “دانيال وت” الرئيس التنفيذي للمركز.
كما أود أيضاً أن أعرب عن خالص الشكر للحضور الكريم من مختلف الدول العربية، حيث تجسد مشاركتهم الحرص الكبير الذي توليه السلطات في الدول العربية لتعزيز فرص تبادل التجارب والخبرات في مناقشة تحديات السياسات الضريبية وتطبيقاتها في إطار التطورات والتحديات الراهنة، خصوصاً على صعيد استدامة المالية العامة، والشكر كذلك موصول لجميع المسؤولين والخبراء والمتحدثين من المؤسسات الدولية والهيئات والوزارات العربية والدولية على تفضلهم بالمشاركة، بما يسهم في إثراء النقاش حول مختلف القضايا الضريبية وسياسات اصلاحها.
حضرات السيدات والسادة،
يمثل تحقيق الانضباط المالي والاستدامة المالية واحداً من أهم التحديات التي تواجه الاقتصادات العربية في المرحلة الراهنة، حيث شهدت اقتصادات الدول العربية ارتفاع ملموس في مستويات العجز في الموازنات منذ عام 2014. فقد تحول فائض الموازنة المجمعة للدول العربية البالغ واحد في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2013، إلى عجز بلغت نسبته إلى الناتج حوالي 11.5 في المائة في عام 2015. في هذ الإطار، سعت السلطات في الدول العربية إلى تكثيف وتيرة تنفيذ إصلاحات المالية العامة بداية من عام 2015 بهدف احتواء وترشيد الزيادة في مستويات الإنفاق العام، وتعزيز وتنويع الإيرادات الحكومية. ساهمت هذه الإصلاحات في خفض مستويات العجز في الموازنة العامة المُجمَعة للدول العربية إلى مستوى 6 في المائة في عام 2018 حسب تقديرات صندوق النقد العربي. ومن شأن الاستمرار قدماً في تنفيذ هذه الإصلاحات خلال السنوات المقبلة، توفير موارد مالية يمكن توجيهها إلى دعم فرص التنمية المستدامة وتوفير المزيد من فرص العمل وتقليل مستويات الفقر والبطالة.
ولعل من أهم سمات الإصلاحات التي تعمل عليها دولنا العربية، متابعة جهود التنويع الاقتصادي واصلاحات منظومة الدعم وتعزيز الإيرادات الضريبية وكفاءتها، بما يعزز من فرص الاستدامة المالية من جهة ويشجع من جهة أخرى على خلق البيئة المشجعة لنمو القطاع الخاص وجذب الاستثمار. فإلى جانب الجهود الملحوظة الرامية إلى تحقيق تقدم في مساعي التنويع الاقتصادي، بهدف خلق هياكل اقتصادية أكثر تنوعاً، هناك اهتمام ملحوظ لتعزيز الموارد العامة لمقابلة الإنفاق الحكومي المتزايد وتحسين أوضاع المالية العامة. لعل من أهمها إصلاح دعم الطاقة، إذ يُقدر حجم دعم الطاقة حوالي 240 مليار دولار خلال عام 2018، أي ما يعادل حوالي 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية يتم إنفاقه على دعم الطاقة. لذلك هناك حاجه لتواصل وتعميق الإصلاحات في هذا المنحى.
كما تعلمون تشمل الإصلاحات الاقتصادية الأوسع نطاقاً مزيج من سياسات خفض الإنفاق، وسياسات تحويل الإنفاق، والرفع التدريجي لدعم الطاقة، حيث تتمثل هذه الإصلاحات في القضايا المرتبطة بمجالات مثل تسعير المرافق العامة وتحويل الإنفاق إلى بناء رأس المال البشري وزيادة الاستثمارات التي تجذب المستثمرين إلى القطاع الخاص. ولا شك أن نجاح برامج الإصلاح، يتطلب دعم واسع للإصلاح المالي، وتخصيص أفضل للأصول الحكومية مع تنويع مصادر الإيرادات الحكومية.
حضرات السيدات والسادة،
تفرض التداعيات الاقتصادية والمالية ضرورة الاهتمام بتعزيز موارد المالية العامة وفي مقدمتها رفع حصيلة الايرادات الضريبية وتعزيز عدالتها. فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتطوير النظم الضريبية في الدول العربية، إلا أن مستويات التحصيل الضريبي على تفاوتها بين الدول العربية، لا تزال تتطلب المزيد من الجهود والإصلاح، لتصل إلى مستويات التحصيل المماثلة لدى الاقتصادات الناشئة والدول النامية الأخرى، حيث تمثل الإيرادات الضريبية حوالي 7 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وأقل من ربع إجمالي الإيرادات العامة في الدول العربية. وتصل نسبة متوسط الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي غير النفطي للدول العربية إلى 13 في المائة مقارنة بنسبة 17 في المائة في المتوسط لدى الاقتصادات الناشئة والدول النامية وفقاً لبيانات عام 2017.
يتركز التحدي في هذا السياق على الحد من الفجوة الكبيرة نسبياً في الدول العربية بين التحصيل الفعلي والمُمكن للإيرادات الضريبية مع تحقيق توزيع أكثر عدالة للإيرادات الضريبية. لعل التفاوت في التجارب بين الدول العربية، يمثل فرصة للاطلاع على الدروس المتعلقة بإصلاح الأنظمة الضريبية بما يتناسب وأوضاع وهيكلية الاقتصادات في هذه الدول.
في هذا السياق، أظهرت دراسة لصندوق النقد العربي أن النظم الضريبية العربية ترتكز أساساً على الضرائب غير المباشرة كمصدر رئيس لتمويل النفقات الحكومية في ظل تراجع الاعتماد على الضرائب المباشرة، حيث انعكست هذه الملامح على تطور النظم الضريبية العربية. إذ تقدر حصة الضرائب غير المباشرة في المتوسط بنحو 70 في المائة من إجمالي الايرادات الضريبية في الدول العربية، منها ايرادات ضريبة القيمة المضافة والمبيعات التي تُمثل حوالي 46 في المائة، وايرادات الضرائب الجمركية نحو 24 في المائة. بالمقابل، تمثل ايرادات الضرائب المباشرة، في المتوسط حولي 30 بالمائة في إجمالي ايرادات الضرائب، منها 20 في المائة متأتية من ضريبة الدخل على الشركات و10 في المائة مردُها ضريبة الدخل الشخصي.
كما تتسم غالبية النظم الضريبية في الدول العربية بشكل عام بتفاوت الجهد الضريبي، مما يشير إلى وجود فجوة كبيرة بين التحصيل الفعلي والمتاح للإيرادات الضريبية، وأن تفاوت الأمر من دولة إلى أخرى.
إن التنوع في تطبيق الضرائب ذات القواعد الواسعة مثل ضريبة القيمة المضافة، أثبت كفاءته في العديد من الدول، كونه يوزع عبء الضرائب على قاعدة ضريبية واسعة، إلا أنه من المناسب التعامل مع الآثار الجانبية التي قد تنتج عن ضريبة القيمة المضافة، يتم ذلك من خلال التطبيق السليم للضريبة، ودعم الجهود المتواصلة لضمان أنها ذات قاعدة عريضة، وتطبيقها على سلسلة القيمة بأكملها، حيث يمكن أن يؤدي عدم تمكن الشركات من التسجيل، وسوء الاستخدام والاحتيال والتهرب من ضريبة القيمة المضافة، إلى تشويه الخيارات وتسبب عدم الكفاءة. وعلى الرغم من التحسن النسبي، إلا أن حصيلة إيرادات ضريبة القيمة المضافة في الدول العربية تمثل نحو 7 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، مقابل حوالي 12 في المائة من الناتج لدى الاقتصادات الناشئة والدول النامية. يتطلب تعزيز مستوى الامتثال الضريبي، تبني إطار شامل لتقييم فجوة تحصيل الضريبة على القيمة المضافة، وتحديد أسبابها ووضع مؤشرات ملائمة لمتابعة وتقييم عدم الامتثال الضريبي ومعايير ضبط المخاطر المرتبطة به.
كذلك وفي حين يمثل فرض ضرائب الاستهلاك فرصاً لتنويع الإيرادات، إلا أن تأثير الثورة الرقمية يحتاج أيضاً إلى النظر فيه، حيث تتيح تطبيقات التقنيات الحديثة للمستهلكين طلب البضائع من أي مكان في العالم، مباشرة إلى منازلهم، مما يتسبب في فقدان الحكومات لإيرادات الضرائب. إضافة إلى أن تطبيقات التقنيات الحديثة قد تقلل من تدفق السلع والخدمات الملموسة الخاضعة للضريبة. من الضروري أن تراعي السلطات الضريبية في الدول العربية، النظر في هذه القضايا في أطر السياسات الإصلاحية وإدارة المنظومة الضريبية.
حضرات السيدات والسادة،
ترتكز تحديات السياسة الضريبية التي تواجه إدارة السياسات الضريبية حول ثلاثة أمور رئيسة هي: تعدد المعدلات مما يؤدي إلى تعقيد عملية التحصيل مع ما يترتب عليه من عبء إداري يتطلب المزيد من الكوادر وتوظيف التقنيات الحديثة لرفع الكفاءة بما يحقق التوازن بين العائد المُحقق من الضريبة وتكاليف تحصيلها.
يمثل ثاني هذه التحديات في اتساع نطاق الإعفاءات. إذ تشير تجارب عدد من الدول العربية توجهها إلى إعفاء قائمة طويلة من السلع والخدمات الأساسية للحفاظ على القدرة الشرائية لذوي الدخل المنخفض، إلا أن هذه الإعفاءات تؤدي إلى تقلص الوعاء الضريبي وبالتالي تؤثر على مستوى الموارد المحققة. كما تشير تجارب بعض الدول العربية إلى انخفاض وتعدد حد التسجيل المقرر لإلزام المكلفين بتحصيل الضريبة على القيمة المضافة، التي تترواح بين ألف دولار و100 ألف دولار، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التحصيل وإدارته وهو ما يؤثر على كفاءته. أما ثالث التحديات، فيكمن في أهمية نشر الوعي والتثقيف الضريبي، بما يمكن من رفع معدلات الامتثال الضريبي.
حضرات السيدات والسادة،
يناقش المنتدى اليوم، هذه التحديات وكيفية تطوير وتقوية النظم والإدارات الضريبية، وكيفية تقوية التحصيل الضريبي، مع النظر في سبل الاستفادة من التقنيات الحديثة في تطوير الخدمات الضريبية. كل هذه المواضيع يتم مناقشتها بالإستفادة إلى دروس وتجارب عربية ودولية في هذا الشأن. ولا شك أن المنتدى يمثل فرصة للتشاور وتبادل الآراء والخبرات حول مختلف القضايا سواء بالنسبة لتقوية الايرادات، أو لتعزيز كفاءة منظومة الضرائب وتطبيق الضرائب على القيمة المضافة، بما يساهم في الوقت نفسه في خلق البيئة المواتية والمشجعة لنمو القطاع الخاص بمستوياته المختلفة من الشركات الكبيرة وصولاً للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، والشركات النفطية، ويعزز التنوع الاقتصادي والنمو الشامل.
قبل اختتام هذه الكلمة، أود الاشارة إلى أن صندوق النقد العربي حرص في السنوات الأخيرة على زيادة اهتمامه بقضايا الإصلاح الضريبي، إدراكاً لأهميتها لدولنا العربية، سواء من خلال برامج الإصلاح في إطار تسهيلات الصندوق أو من خلال أنشطة بناء القدرات والورش والمنتديات لتبادل الخبرات والمعرفة. نحن نتطلع اليوم للمناقشات والآراء للاستفادة منها في تعزيز إدراكنا للاحتياجات والاولويات على صعيد تنمية إصلاحات السياسات الضريبية في الدول العربية، والاستفادة منها كذلك في تطوير برامج وأنشطة الصندوق في مجال المالية العامة.
أخيراً أود أن أكرر شكري لشركائنا في تنظيم المنتدى، كما لا يفوتني في هذا الصدد، أن أجدد العرفان والامتنان لدولة مقر صندوق النقد العربي، دولة الإمارات العربية المتحدة، على ما تقدمه من تسهيلات كبيرة ساهمت في نجاح الصندوق في تحقيق الأهداف المنوطة به.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.