أخبارأخبار عالميةثقافة

تخليد الذكرى الحادية والثمانين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال

دبي الإمارات العربية المتحدة

سلام محمد 

يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، يوم السبت القادم الذكرى الحادية والثمانين لتقديم و عريضة المطالبة بالاستقلال التي تحتفظ بها الذاكرة التاريخية الوطنية، وتستحضر الناشئة والأجيال الجديدة دلالاتها ومعانيها العميقة وأبعادها الوطنية تجسيدا لسمو الوعي الوطني وقوة التحام العرش بالشعب دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية واستشرافا لآفاق المستقبل.

وتعد هذه الذكرى من أعز الذكريات المجيدة في ملحمة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية، باعتبارها حدثا راسخا في ذاكرة كل المغاربة، الذين إن احتفوا به فإنما يحتفون امتنانا وعرفانا بالحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وبرجالاتها، وتخليدا للبطولات العظيمة التي صنعها أبناء المملكة المغربية بروح وطنية عالية وبإيمان عميق، وبقناعة لا تتزحزح بوجاهة وعدالة قضيتهم في تحرير الوطن، مضحين بالغالي والنفيس في سبيل الخلاص من نير الاستعمار وصون العزة والكرامة عبر محطات تاريخية مشهودة ومشهود لها؛ فمن الانتفاضات الشعبية في كل أرجاء البلاد إلى خوض المعارك الضارية بالأطلس المتوسط وبالشمال والجنوب إلى مراحل النضال السياسي كمناهضة ما سمي بالظهير / البريري/ الاستعماري التمييزي في 16 ماي 1930 إلى تقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحية والمستعجلة في 1934 و 1936 ، إلى غاية تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944. أما الرابط المشترك في جميع هذه المراحل التاريخية، فهو أب الأمة وبطل التحرير والاستقلال

جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه الذي حرص على إذكاء جذوة المقاومة وبلورة توجهاتها وأهدافها منذ توليه عرش أسلافه المنعمين يوم 18 نونبر ،1927، مجسدا بذلك قناعة شعبه الأبي الوفي في خوض مسيرة التحرير مهما اقتضت من أثمان وإرادته الحاسمة في الظفر بالاستقلال، متحديا – لأجل ذلك – كل محاولات طمس الهوية الوطنية والشخصية المغربية وطمس أو تشويه مقدسات البلاد الدينية وثوابتها وتقاليدها التليدة المجيدة، مغتنما فرصة انعقاد مؤتمر آنفا التاريخي في شهر يناير 1943 لطرح قضية استقلال المغرب وإنهاء نظام الحماية الشنيع، مذكرا – وقتئذ بالجهود والمساعي الحثيثة التي بذلتها المملكة المغربية من أجل مساندة الحلفاء في حربهم ضد النازية وفي سبيل تحرير القارة الأوروبية من الغزو النازي المدمر، وهذا تماما- ما أيده الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلان روزفلت” الذي اعتبر أن طموح المغرب لنيل استقلاله واستعادة حريته طموح معقول ومشروع. وبالفعل كان لهذا المؤتمر ما بعده من تأثير جذري مباشر على مسار العلاقات بين سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية والحركة الوطنية، تحت قيادة وريادة وتوجيه بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول المجاهد جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه. هكذا، وفي ظل زخم المقاومة المتصاعد المحمود، نشأت فكرة تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، حيث انخرط الوطنيون – قادة وزعماء ومناضلين في إعداد الوثيقة التاريخية بتنسيق محكم مع جلالته وبتوافق متطابق على مضمونها الفذ حتى إذا استقروا على صياغتها النهائية الممثلة لكافة الفئات والشرائح الاجتماعية وأطياف المشهد السياسي في البلاد، تم تقديمها إلى الإقامة العامة وتقديم نسخ منها للقنصليات العامة للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بالإضافة إلى نسخة أخرى أرسلت إلى ممثلية الاتحاد السوفياتي آنذاك. ولقد كانت وثيقة المطالبة بالاستقلال في سياقها التاريخي والظرفية التي صدرت فيها، ثورة وطنية بالمعنى الحرفي للكلمة، ومنعطفا حاسما في مسار تحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية كما أنها عكست وعي المغاربة ونضجهم وأعطت الدليل والبرهان على قدرتهم وإرادتهم للدفاع عن حقوقهم المشروعة وتقرير مصيرهم وتدبير شؤونهم بأنفسهم وعدم رضوخهم لبطش المستعمر وإصرارهم على مواصلة مسيرة النضال التي تواترت فصولها بعزم وعزيمة في مواجهة النفوذ الأجنبي المتغول وفي مواجهة الاستعمار المقيت إلى أن تحقق النصر المبين بفضل ملحمة العرش والشعب المجيدة. وإذ تحرص هذه البعثة القنصلية على الاحتفاء مع مواطنينا الأجلاء الكرام من أفراد الجالية المغربية في دائرة نفوذها القنصلي بالإمارات الشمالية لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، على الاحتفاء بهذه الذكرى المجيدة لما تحمله من مكانة عالية ودلالات رمزية تاريخية وافية في مسار الكفاح المتواصل والجهادين الأصغر والأكبر، انطلاقا من استقلال الوطن مرورا ببناء نهضته وازدهاره الشامل على جميع المستويات والأصعدة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو التنموية وصولا – بفضل الله وتأييده إلى مصاف الدول المتقدمة الفاعلة والمؤثرة على المستوى الإقليمي والدولي، فإنها تغتنم هذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعا للتنويه بوقوف المغاربة على قلب رجل واحد لمواصلة التحدي في ربح رهانات جديدة تتمثل في بناء الدولة الحديثة على أسس جديدة والتي كان من ثمارها وقطوفها الدانية إصلاح الدستور وتشييد المؤسسات وتطوير القوانين وإطلاق المبادرات الاجتماعية الثرة الثرية تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله. ولعل من بين المشاريع الكبرى التي أطلقها جلالته والتي لها صلة بالتحديات الجسيمة التي يتصدى لها المغرب في محيطه الداخلي والإقليمي والدولي، تأتي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والعودة الميمونة الغانمة إلى البيت الإفريقي ثم أخيرا النموذج التنموي الجديد، جنبا إلى جنب إلى الورش الاجتماعي الكبير الذي يقوده جلالته بشكل مباشر ويشرف على تنزيله، والذي بفضله تمكن المغرب من تدشين انتقاله من دولة نامية إلى نموذج الدولة الاجتماعية التي تسعى لربح رهان التنمية الشاملة. وعليه، واستنباطا لكل ما سلفت الإشارة إليه باقتضاب شديد، فإن ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال تشكل فرصة دائمة ومنتظمة لربط الماضي الماجد بالحاضر الشاهد بالمستقبل الواعد، وهي أيضا فرصة ثمينة لتعزيز قيم الولاء للوطن وللملك بالتعبير عن التشبت بالثوابت المغربية الراسخة ، وفي نفس الوقت بالانخراط الواعي المتنور في تعزيز بناء الدولة الاجتماعية ، كما أنها سانحة رائعة لتجديد التعبئة واليقظة والتجند وراء عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، نحو تثبيت المكاسب الوطنية ونحو الدفاع عن الوحدة الترابية غير القابلة للتنازل أو المساومة، والتي تعد المبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الجنوبية المغربية في ظل السيادة الوطنية إطارها الوحيد والأوحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى