أخبارأخبار عالميةثقافة

عمل سردي ملحمي ينتصر على احتكار الغرب لرواية السوبرمان

"قبل البدء" للكاتب والفنان الإماراتي محمود جميل الرمحي

في هذا الرواية سردٌ عابرٌ لحدود الزمان والمكان يُطلُّ على احتمالات نهاية مرحلة من تاريخ البشر

رواية تأخذك في رحلة لبناء عالم جديد على الأرض عنوانه الأمل ويقوده الناجون من الخوف

 

 

قليلة هي الأعمال الأدبية والفنية التي تنجح في استيطان الذاكرة، فبمجرد مرور أيام ننسى أحداث الرواية إذا لم تلفت انتباهنا، وننسى الفيلم السينمائي إذا لم يغرس مشاهده وأحداثه في مخيلاتنا.

أربط هنا بين ما يبقى من السرد المكتوب والسرد المرئي في الذاكرة، في سياق الإشارة إلى الأثر الذي تركته في ذاكرتي رواية الكاتب والفنان الإماراتي محمود جميل الرمحي “قبل البدء”، التي ينهل أسلوبها ومضامين خطابها من الصور السينمائية المشهدية التي تحفر عميقًا في ذاكرة المتلقي.

كتبت هذا الانطباع بعد أسابيع من قراءتي للرواية، ولم أجدني بحاجة إلى تقليب صفحاتها لتذكر أحداثها، وذلك يعني أننا بإزاء رواية يمكنها أن تحيا حياة ثانية في وعي القارئ بعد أن يفرغ منها، إذ تلتصق به أسئلتها وتلاحقه بما تطرحه من احتمالات تتهدد حياة البشر على هذا الكوكب.

***

يمكننا الاعتماد على القراءة الكلية لهذا النص والإطلال على عوالمه وتشعباته من منظور القيمة الجوهرية التي يمثلها، لتقديم إضاءة على رسائله التي تمتزج فيها جماليات السرد بالتخييل وعمق الفكر ومساحات الفن والإبداع.

نحن أمام رواية استثنائية ستكون لها مكانة بارزة في المكتبة السردية العربية، فبالنسبة للنقاد والباحثين في السرد العربي، سيعثرون فيها على ما يجعلها تتجاوز تحقيق إضافة إلى المكتبة السردية العربية، لتضاف من حيث التخييل وابتكار العوالم الموازية إلى منجز الرواية العالمية، ولاسيما رواية الخيال العلمي، إلى جانب تقاطعها مع اشتغالات فكرية وفلسفية تناولت من زوايا مختلفة موضوعات تتصل بنهاية التاريخ ودورة حياة الكوكب وغيرها من المتواليات الكونية.

إنها رواية عالمية بامتياز، تقارب موضوعات كونية وإنسانية شاسعة، وتجمع بين الفلسفة واستشراف مصير الكون، وتتخذ من السرد جسرًا للعبور إلى فضاءات معرفية وإنسانية، وتطرح مقاربة دقيقة تمزج بين الخيال والعلم لتشريح إشكالية وجود الإنسان ومستقبله على هذه الأرض.

ولطالما ظل النقد ينظر إلى الأدب بوصفه مساحة لاختزان جماليات التعبير الإنساني من الزاوية التي تفصل الإبداعي عن المعرفي، وتُبْقِي على حقول العلم والمعرفة سجينة الكتب والمؤلفات البحثية المتخصصة في مختلف جوانب العلم، بينما تدع للأدب والفن مهمة التحليق في عوالم النفس البشرية وتحليل الصراعات والعواطف والمواقف الإنسانية. لكن محمود جميل الرمحي في رواية “قبل البدء” اتخذ من الخيال الروائي والبعد الملحمي القائم على الفنتازيا منطلقًا لأنسنة بعض العلوم والطاقات الخارقة التي يبشر النص بأن الإنسان سيتوصل إليها أو أنه يمتلكها بالفعل، حيث وقف كاتب الرواية على الحافة التي مكّنته من توظيف خياله وثقافته العلمية وخبرته الهندسية والفنية والأدبية في عمل مختلف.

و”قبل البدء” رواية استشرافية مهمومة بالمستقبل وإعادة إيقاظ الإنسانية لتلتفت إلى سلوكها التدميري الذي يقودها إلى الفناء، حيث تأخذك أحداثها في رحلة لبناء عالم جديد على الأرض عنوانه الأمل والنجاة من الخوف.

ومنذ الصفحات الأولى تدور أولى مشاهد الرواية في سنة 2035، حيث يجسد حوران المهندس والناشط البيئي الشخصية الرئيسية الناطقة بالعبارات التي يمكن اقتباسها من الرواية كنصوص وحوارات أيقونية كاشفة لجوهر النص. مثل قوله: “العمارة التي لا تزرع الأمل، ليست أكثر من تراتيل للموت”.

ويتأمل الراوي بعين المعماري الفنان تكوين الأصداف على شاطئ أبوظبي، ليصفها بقوله: إنها “تروي حكاية تطور عمره ملايين السنين، إنها حكمة العقل الكامن في التفاصيل الصغيرة، في هذه الخطوط والألوان والدهاليز الحلزونية للقوقعة يكمن سر الوجود برمته. هنا يكمن عقل الكون، أخطأ من قال إن الشيطان يكمن في التفاصيل، بل الله أيضا”.

وللعناوين الفرعية في الرواية إيحاءاتها الشعرية القائمة بذاتها، إذ تنقلنا إلى عوالم المنامات والأحلام والأحوال والتجارب الميتافيزيقية وطعم الحب وسحر دافنشي والرقص والتخاطر والكائنات الأسطورية التي تنبعث بيننا على هيئة بشر لهم حياتهم الإنسانية التي تغلف جانبهم الأسطوري.

إنها رواية تحتشد بالشخصيات التي تتطلب من القارئ اليقظة الدائمة، لأنه قد يضيع إذا لم ينتبه إلى وظيفة كل شخصية، وقد أحصيت 19 اسما فيها، بخلاف الشخصيات (الهامشية) التي تحضر دون أن يكون لها دور محوري في سياق نمو الأحداث.

ويلاحظ أن حوران يعود بنا إلى سنوات دراسته في الولايات المتحدة، وهنا يبرز ملمح توظيف جانب من السيرة الذاتية للكاتب، حيث نعرف بسهولة أن حوران هو معادل موضوعي لكاتب الرواية إذا ما عدنا إلى السيرة الحقيقية للمؤلف محمود الرحبي. لكنه لامس الجانب الذاتي من سيرته بذكاء معتمدًا على هذا الجانب ليوفر للراوي الطاقة التي تعينه على الاسترسال في الحكي واستنهاض المزيد من التخييل وتسويغ الحضور في أمكنة وجغرافيات متعددة، ونجح الكاتب في مقاومة الإغواء الذي يقع فيه أي إنسان لسرد حكاية الذات، وفضّل استثمار معرفته والأمكنة التي زارها والفنون التي درسها ومارسها ليوظفها في سرد حكاية العالم والوجود الإنساني بتحديات ماضيه وما تنتظره من تحديات أقسى وأشد في المستقبل.

هذا التوظيف لرحلة الدراسة جعل المكان في الرواية عابرًا لكل الأمكنة، بقدر ما كان زمنها أيضًا عابرًا لكل الأزمنة، من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل. وبتقاطع لمحات من سيرة حوران بطل الرواية مع السيرة الفعلية لكاتب الرواية؛ تهيأت للقارئ معايشة النص والاستسلام للجريان مع منطقه الذي اتكأ على سرد الأحداث من وجهة نظر السارد العليم، فأتاح هذا المنحى للكاتب الإطلال على أحداث واستعادة أجواء البدايات والابتعاث للدراسة بكل ما تتضمنه من تفاصيل، فجاء الفصل الأول محيطاً بشخصية حوران وراسماً ملامحه وعوالمه الداخلية بدقة، بينما استكملت الفصول الأربعة الأخرى قصة جماعة “تطور” التي وضعت لنفسها مهمة إنقاذ الكوكب بقيادة حوران وزوجته سليماس.

قد يبدو لنا في أول الرواية أننا أمام مجموعة أبطال خارقين سبق أن حضروا بكثافة وبأشكال وقوى استثنائية مختلفة في السينما العالمية لأداء المهمة التقليدية نفسها: إنقاذ الكوكب وحماية البشر من خطر محدق. وأرى أن وجود هذه التيمة في الأدب والفن العالمي، وعلى وجه الخصوص في السينما العالمية يمثل تحدياً كبيراً لأي كاتب، إذ ما الذي يمكن أن يقدم من إضافة في هذا الخيال المشترك الذي استنزفه كُتّاب السيناريو في هوليوود طوال القرن العشرين، لكن هذا ما نجحت رواية “قبل البدء” في تجاوزه عندما نجح كاتبها في خلق وتشييد منطق روايته ورؤيتها الخاصة عبر بناء شبكة من الحكايات التي جذبت القارئ إلى فضائها السردي وحبكتها المكتملة.

***

سنتعرف في الفصل الأول على شخصية كريستوفر الغريبة، ثم اللقاء الذي جمع حوران بأستاذه كارستون الذي رأى في حوران شخصية المنقذ أو المنتظر. وفي الفصل الثاني نتعرف على شخصية سليماس، زوجة حوران، وما مرت به من منامات وأحلام، حيث نجحت الرواية في أسطرة أحلام الإنسان ومشاهداته وتحويلها إلى رسائل توجه حياته في المستقبل وتحدد اختياراته. هذا ما نستشفه من مراسلات سليماس لصديقتها وما ترويه لها عن رحلاتها، ثم اللقاء الذي جمعها بحوران في إيطاليا، فنرى أن كل منامات وأحلام سليماس كانت تشير إلى حوران الذي ستحبه وتتزوجه، وسيتحد الاثنان في استعمال قواهما الخارقة لقيادة جماعة تطور، لتخبرنا الرواية أن الأرواح تتلاقى قبل الأجساد.

هناك توظيف للشخصيات الخارقة في الرواية كما غرستها في وعينا كتب الأدب وأفلام السينما العالمية، لكن توظيف هذا البعد في رواية “قبل البدء” لم يكن ارتجالياً، بل بهدف استكمال الرواية لمعمارها ومنطقها وحبكتها القائمة على تكوين مجموعة خارقة تستطيع إنقاذ الكوكب من تحديات بيئية تكاد أن تعصف بالكون كله.

وجاء الفصل الثالث بعنوان “كائنات النور” ليعزز من بناء الشخصيات ويكتشف المزيد من قدراتها الخارقة للطبيعة. وتبدأ بقية الشخصيات الخارقة التي تكون مجموعة شخوص الرواية في الظهور على التوالي، فبالإضافة إلى ميرسو وفورغو؛ التوأم اللذان اكتسبا قدراتهما الخارقة من الوالدين حوران وسليماس، ستظهر حكيمة وكارلوس وتانيا وغيتاسو وسكيراتوس وذياب وجوزيف وراجو وقبلهم كريستوفر وشخصيات أخرى. ولكل شخصية قدراتها الخارقة التي لا تتجاوز في النهاية قوة وقدرات حوران وسليماس وتميزهما بالاتحاد والسفر في الزمن. أما التخاطر التليباثي فهو ميزة مشتركة بين أعضاء (تطور).

***

وبعيداً عن تفاصيل عوالم الرواية ومسار أحداثها، يجد القارئ بين سطور هذه الرواية الكثير من الخوف والأمل والتعويل على أن جوانب الخير في الإنسان قادرة على هزيمة الشر ودحر الخطر، وأن الخير يمثل بالفعل القوة الخارقة التي يمتلكها الإنسان. فإذا كان الشر أو الخطر القادم الذي يهدد حياة البشرية يكمن في تقلبات البيئة والمناخ والزلازل والبراكين والفيضانات والأوبئة، تخبرنا الرواية أن بوسع الإنسان استنهاض المزيد من الحكمة لاستعادة عافية الكوكب. وبالتالي نحن أمام رواية تطرح ضمنيًا سؤالها المركزي: هل علينا أن نتحول إلى كائنات أسطورية بقدرات خارقة وأن نستيقظ لننقذ كوكبنا قبل أن تصبح بيئته فاقدة لصلاحية عيش البشر؟ وهو السؤال الذي لا يطرحه الراوي بشكل مباشر، بل من خلال فصول رواية تشع بالروحانية والخوارق وتعيش شخصياتها في زمنٍ ممتدٍ، يوحد بينها امتياز السفر والتنقل بين العصور والأزمنة والتحول إلى كائنات لديها قدرات خارقة تمكنها من هزيمة الأشرار.

وما إن تصل الرواية إلى الفصل الثالث حتى يكون حوران قد وضع المصادفات التي ستجمعه بالشخصيات الخارقة في رحلة لجمع فريق من المتحولين الخارقين، وتزداد وتيرة شغف القارئ لمعرفة ما الذي سيفعله هذا الفريق.

لقد نجح الكاتب في خلق بُعد ملحمي أسطوري وفي بناء رواية السوبرمان التي احتكرها الغرب من منظوره الاستعلائي الذي لا يخلو من مركزية في تصور الأنا ومهماتها الأنانية، بينما أنتج محمود جميل الرمحي شخصيات خارقة مهمومة بتوطين الخير في العالم من منظور إنساني كوني عابر للثقافات وجامع لكل الأعراق، كما نلاحظ من أسماء شخصياته وجنسياتهم وأعراقهم التي تنتمي لكل القارات.

وسوف تحكي الرواية عن توجيه خلية الأزمات في مجلس الأمن دعوة لحوران لمناقشته حول المخاطر التي تواجه الكوكب، وهذا ما يعطي أحداث الرواية دفعة جديدة لتواصل نسج مشاهدها.

في الفصل الثالث أيضا يتعزز الانطباع الذي يتكون لدينا أننا أمام رواية تتطلب من القارئ اليقظة المستمرة للإمساك بخيوط الأحداث والتعرف على معمارها السردي الذكي الذي يتراوح ما بين الفلاش باك والسرد في أزمنة يتمركز فيها الإنسان التواق للحياة الآمنة ليواصل حضوره في الماضي والمستقبل بشغفه وأحلامه ومخاوفه التي لا تنتهي إلا في السطر الأخير من الراوية.

ويوظف الكاتب خبرته وعلمه في الهندسة والفن لإنشاء معمار سردي مدهش، وبين الخيارات التي تطرحها جماعة إنقاذ لمساعدة البشر على الانحناء لعاصفة التغير البيئي والكوارث التي ستحل بالأرض، هناك المدن الذكية والملاجئ الفضائية والأرشيف الأنثروبولوجي المخصص لحماية إرث وثقافة البشر في مستودع على سطح القمر. وهناك الاستطلاع الزمكاني الذي سيقوم به حوران إلى المستقبل ضمن الاستعدادات للعمل على إنقاذ الكوكب خلال سنتين أو أقل ابتداء من 2035.

وما تلفت إليه هذه الرواية أن روايات الخيال العلمي نادرة إن لم تكن منعدمة في الأدب العربي، وأن هذا العمل يمثل باكورة ناضجة لهذا اللون من الروايات في سياق السرد العربي. وفي هذه الرواية أيضاً استشراف لما يمكن أن يفعله توظيف الذكاء الاصطناعي وطمأنة للإنسان بأن الدماغ البشري سيحتفظ بتفوقه على الآلة من خلال الأحلام والحب والإيمان وكتابة الشعر والتأمل الفلسفي، وتلك مهارات لن تتقنها الآلة.

وثمة مشاهد كثيرة في الرواية تبرز استفادتها من السينما، مثل منح شخوصها القدرة على السفر عبر الزمن والتواصل التليباثي، وعند تصوير مشاهد الخراب والدمار الذي حلّ بالأرض إثر تداعيات ما بعد الكوارث التي طالتها، من الزلازل والبراكين التي اندلعت، إلى ما ترتب على انهيار الحضارة من عودة بعض الناس إلى الإيمان ومن تكاثر من ادعوا أنهم المهدي المنتظر.

***

إن الخيال الروائي المبدع هو الذي يدفعك إلى أن تصدق ما تسرده الرواية وما تبنيه من منطق يخصها، وما تشيده من عالم، وهذه الرواية حققت هذا الهدف. وفيها لمحات ذكية ومقاطع وحوارات جديرة بأن نتعامل معها كنصوص، لأنها تقدم تكثيفًا لجوهر العمل، مثل المشهد الذي تتم فيه محاكمة الشيطان، وغيره من المشاهد.

وما يكسب رواية “قبل البدء” بعدًا غرائبيا وفتنة سردية لا تقاوم أنها منذ العنوان تستفز القارئ وتكشف له أن أحداثها معنية بالتمهيد لما قبل بدء الحضارة القادمة بعد الخراب المتوقع للحضارة في وقتنا الراهن، وتبتكر حلولًا للبشر تمكنهم من إقامة حياة جديدة على الأرض في دورة حياة أخرى قادمة بعد الانهيار المرتقب.

ولو قدر لهذه الرواية أن تتحول إلى فيلم سينمائي وهي تكتنز بكثافة أحداثها وما تتضمنه من أمكنة وأزمنة وكائنات أسطورية ومهارات وقدرات خارقة لشخوصها، فإنها ستكون بحاجة لتوظيف الذكاء الاصطناعي لخلق بيئتها وعالمها الموازي وكائناتها وأزمنتها، وكأننا أمام ألف ليلة وليلة معاصرة، حيث تتشعب الحكايات والشخصيات، ويجمعها خيط الرواية التي اقترحت عوالمها ومنطقها وشيدت معمارها وتفاصيلها، لتضعنا أمام الممكن والمستحيل من حياتنا كبشر.

وجاء الفصل الخامس بعنوان العوالم المتوازية، واستخدم فيه الكاتب جرعة مكثفة من فلسفة وثقافة المعماري لتشييد الهرم المقدس في مدينة إيل، وكأننا أمام المدينة الفاضلة التي ظلّت حلم الفلاسفة والأدباء، حيث اختفت في الحضارة البشرية الجديدة والمتخيلة كل النوازع الغريزية وفي مقدمتها الخوف، وبفضل اللقاحات ضد الكذب زادت النوازع العقلية وارتفعت نسبة الذكاء وانتهت الأمراض العضوية والفيروسية. ولم يتبق سوى الخلاص من الشر ورمزه، وهذا ما اختتمت به الرواية فصولها، بمحاربة فيالق الخير لفيالق (لوسيفر) المعادل للشر والشيطان، وفي المعركة الأخيرة لدحره نطالع خطاب حوران وهو يحفز جنوده:

“أشهد أنكم شعب عظيم استطاع تحقيق المعجزات والمآثر. لقد حققتم الحلم و خيبتم آمال عدوكم الذي يرى أنكم مجرد فيروس .. أوصيكم يا إخوتي بأن تتسلحوا بقوة الحب والجمال … إن تنازلتم عن الحب سيتسرب الموت إلى نفوسكم وأرواحكم.. إلى أن يقول: “شتتوهم في الأبعاد كلها قاتلوهم في الماضي والحاضر والمستقبل استدرجوهم إلى تخوم النور وسيختلط عليهم الوجود. تذكروا أنهم محض مصفوفات رقمية لا تفقه معنى الحياة ولا تدرك المستقبل. أعدت بعناية لإفنائكم وسحق أحلامكم. قاتلوهم بعقولكم وإبداعاتكم وجمال أرواحكم وأنتم المنتصرون في النهاية”.

تذكرنا إشارته في السطور المقتبسة إلى أن العدو يشبه مصفوفات رقمية بفيلم هوليود الشهير (ماتريكس)، كما ينقلنا هذا العمل الروائي الاستشرافي بخياله إلى عالم (الميتافيرس) الذي ننتظر تطبيقاته في حياتنا كأحد ثمار عهد جديد من ثورة تكنولوجيا.

وتبشرنا رواية الرمحي كذلك بالانتقال من عهد الإنسان العاقل إلى عهد الإنسان المبدع، حيث لا وجود للنفاق أو الفساد والتملق والأنانية، وحيث نمت في الدماغ خلايا الضمير التي تمكن كل شخص من اكتشاف الخداع والتضليل.

وإن ظل الواقع بائساً كما نعيشه في هذا العصر الملوث بالحروب وجرائم الإبادة، يكفي أن الأعمال الفنية والإبداعية ما تزال قادرة – كما فعلت رواية “قبل البدء” – على أن تستحث الضمير الإنساني وأن تُسقّي خلاياه بالحب والأمل لتنمو وتزهر وتحمي البشر من الهمجية، وتنقذهم من الأشرار ومن الحروب التي تنخر في جسد عالم زائف لا تتورع دوله وزعاماته عن تبرير ما تخلفه الصراعات المدمرة من آلام في نفوس البشر وما تسببه من فقدان للثقة بالعدالة والإنصاف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى