أخبارأخبار عالميةثقافة

سلطان القاسمي يسجل حدثاً تاريخياً غير مسبوق في خدمة لغة الضاد ويطلق الأجزاء الثمانية الأولى من “المعجم التاريخي للغة العربية” الذي يؤرخ لـ 17 قرنا

خورفكان الشارقة الإمارات العربية المتحدة 

سلام محمد 

في إنجاز غير مسبوق، ولحظة مفصلية في تاريخ اللغة العربية، أطلق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المجلدات الأولى من “المعجم التاريخي للغة العربية”؛ المشروع المعرفي الأكبر للأمة، الذي يؤرّخُ للمرة الأولى تاريخ مفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر 17 قرناً (منذ عصر ما قبل الإسلام إلى عصرنا الحاضر).

جاء ذلك خلال حفل بهيج مبارك أقامه صاحب السمو حاكم الشارقة صباح اليوم الخميس في مدينة خورفكان بحضور عدد من رؤساء مجامع اللغة العربية، وكبار علماء اللغة العربية والفقهاء في العالم العربي.

ووجه صاحب السمو حاكم الشارقة بهذه المناسبة رسالة إلى أبناء الثقافة العربية والناطقين بلغة الضاد ومجتمع الباحثين والدارسين لمختلف الحقوق الفكرية والعلمية والأدبية رسالة، قال فيها // يطيبُ لي أن أُرحّبَ بكم في بلدِكم، أنتم في مَحْضنِ العربيّة ومَوطنِها. في البداية، أتقدّمُ بالشّكر الوافر والعِرفانِ الصّادق والدّعاءِ الخالص إلى كلِّ الذين أسهموا وشاركوا في تحرير المعجم التاريخي للغة العربيّة، وفي مقدّمتهم اتّحادُ المجامعِ اللغويةِ العلميةِ العربيّةِ تحتَ رئاسةِ الشيخ الفاضل الدكتور حسن الشافعي وجميع العلماء اللغويين العاملين معه. 

 كما أتوجّهُ بالشكر الجزيل لكم، أنتم رؤساءَ المجامع اللغوية الذين شاركتم في هذا المشروع العظيم، والشّكرُ موصولٌ لأعضاء المجلس العلمي ولأبنائي وبناتي في اللجنة التنفيذية في مجمع اللغة العربية بالشارقة، ولجميع المُحرّرين والخبراء والمقرّرين؛ فجزاكم الله جميعا خيرَ الجزاء.

 إنّ مشروعَ المعجمِ التاريخيّ للغة العربيّة كان حُلمًا يراودُني منذُ زمنٍ بعيد، وازدادَ حِرْصي على دَعْمِهِ وإخراجِهِ لمّا علمتُ أنّ المحاولاتِ السابقةَ جانبَها التَّوفيقُ لأسبابٍ متعددة فاسْتَخَرْتُ اللهَ العليَّ العظيمَ أن يُعينَنا على إنجازه، ولا زلت أدعو الله عزّ وجلّ أن يوفّقنا ويُسَدِّدَ خُطانا إلى حينِ إتمامِه على أكمل وجهٍ إن شاء الله تعالى.

 فهنيئا للأمّة العربيّة بهذا المعجمِ العظيمِ الذي يُؤَرّخُ لألفاظِ العربيّةِ منذُ العصرِ الجاهلي الذي سَبَقَ بُزوغَ شمسِ الإسلام، مُرورًا بالعصرِ الأمويِّ فالعبّاسيّ فَعَصْرِ الدّولِ والإمارات ووُصولاً إلى العصرِ الحديث.

 ها نحنُ أولاءِ نشهَدُ اليومَ في هذه المناسبةِ الكريمةِ البهيجةِ صُدُورَ الأجزاءِ الثمانيةِ الأولى للمعجم التاريخي في ثوبِهِ الجميل، وإخراجِهِ الرائع، نَضَعُهُ بين أيدي الأمّةِ وبين أيدي المثقّفين وعُشّاقِ اللغة العربيّة يَنْهَلونَ من دلالات ألفاظه، ونُصوصِهِ الحيّة وشواهدِه التاريخية.

 لقدْ حدَّثَتْني نفسي كثيرا، وأنا رجلٌ مُهتمٌّ بالتاريخ: لماذا لا يكونُ للعربِ مُعجمٌ تاريخيٌّ يؤرّخُ للغتهم؟ هل اللغويون والمعجميّون العربُ عاجزون عن إنجازِ هذا المشروع؟

 كلاّ، أبناءُ العربيّة ومُحبّوها وعلماؤها ليسوا عاجزين عن كتابة هذا المعجم وإخراجِه للعالمين، وأدركتُ أنّ المشروعَ يحتاجُ إلى حَشْدِ القِوى وتحفيزِ النفوس وتوحيدِ الصّفوف وتنظيمِ الجهود، وإلى تغطيةٍ مادّيّة تُناسبُ عظمةَ هذا المشروع، والحمدُ لله لقد وفّقنا الله تعالى مع علماء اتّحاد المجامع إلى تذليل كل الصعوبات والعوائق التي كانت تقفُ أمامَ المشروع. وما كان حُلْما وضَرْبًا من الخيال قبلَ ثمانين عاما أصبح اليومَ واقعًا مَشْهودا، وكلُّ هذا بتوفيق الله تعالى وكرمِهِ وإحسانه ثُمَّ بجهود المخلصين من أمثالكم؛ فلا يَسَعُني في هذا اليومِ المباركِ الميمونِ إلا أنْ أبارِكَ للأمّة العربيّة والإسلاميّة جمعاء على صُدورِ الأجزاء الثمانية التي تَرَوْنَها أمامكم، وهي تتعلّقُ بحرفين فقط الهمزة والباء، ونعِدُكم أنّنا في الأعوام القادمةِ القليلة سنُقَدِّمُ للغة العربية ولأبناء العرب عشراتِ الأجزاء، ويَسْتَمْتعُ مُحبّو لغةِ الضاد بمعجم العربيّة الأكبر، ويومئذ يفرحُ المؤمنون بنصر الله وتوفيق الله، وما ذلك على الله بعزيز.

 وسيكونُ المعجمُ التاريخيُّ للغةِ العربيّة المرجعَ الأكبرَ والموردَ الأعظمَ الذي يعودُ إليه المثقفون والمتخصّصون في جميعِ المجالات، ويعودُ إليه طلابُ الجامعات والأكاديميّون، والشعراءُ والأدباءُ، وكلُّ مَنْ يَهْوى هذهِ اللغةَ العظيمةَ، وإنّي مُؤمنٌ بأنّ هذا المعجمَ لا يشرحُ الألفاظَ ولا يُعرّفُ بدلالاتِ الكلماتِ ويُعطي تواريخَ استعمالها فقط، وإنّما يحفظُ تاريخَ الأمّةِ من الاندثار، ويَصونُ حضارتَها من الزّوال، ويُخلّدُ مآثرَ العرب وأيّامَهُم، ويُحافظُ على الذّاكرةِ العربيّة من أقصى الجزيرة العربيّة شرقا إلى المحيطِ الأطلسيِّ غَرْبًا، ويؤرّخُ للنُّصوص والأشعار، ويُثبِتُ الأخبارَ والأقوالَ التي نطقَ بها المسلمون وهم في بلادهم وراء النهرين وأقاصي آسيا، ويحفظ تاريخَ إفريقيّة المسلمة التي عُنِيَ أصحابُها بالفقه المالكي وعلوم اللغة ومتونها.

 هذا يومُ البهجةِ الكبرى والسّعادةِ الغامرة، وقد كنتُ أنتظرُ هذا اليومَ منذُ أكثرَ مِنْ عَقْدَيْنِ من الزّمن، وشاء المولى تعالى أن يرى هذا المشروعُ النّورَ على أيديكم جميعا في الشارقة التي أحتسِبُها عندَ الله حاملةً للثقافة العربيّة، وعاصمةً للغة العربيّة، وكرّستُ حياتي لأجعلَها مَوْطِنًا للغة والأدب والمسرح والرواية وجميعِ الأجناس الأدبيّة، وموئلاً يلجأُ إليه أهلُ الآداب، وعُشّاقُ الثقافة ومُحبُّو المعرفة، والحمدُ لله على توفيقه، وشكرا لكم أنتم يا علماءَ اللغةِ وحُرّاسَها، ، وأدعو الله عزّ وجلّ أن يحفظَكم ويُسدّدَ خُطاكم، ويَحْفظَ جميع العاملين في إنجازه، ولا تهِنُوا ولا تَتَوانَوْا، وإنّ بشائرَ الخير قد أطلّت، وإنّ رايةَ اللغةِ العربيّةِ ستظلُّ خفّاقةً عاليةً تُناطحُ السّماءَ لأنّها مَحْفوظةٌ بحفظ كتابِ الله العظيم //.

 

ويحقق صاحب السمو حاكم الشارقة بإطلاقه هذا المنجز، مهمة تاريخية تعود جذورها إلى قرابة مئة عام ماضية، وقُدّمت في سبيل إتمامها جهود ومحاولاتٌ إلا أنها تأجلت وألغيت وجانبها الصواب، وكان من أبرزها تجربة مجمع القاهرة سنة 1936 التي انطلقت تحت إشراف المستعرب الألماني فيشر عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة آنذاك، وتوقفت بعد أن تم إعداد البطاقات الأولى من حرف الهمزة.

وبهذه المناسبة الجليلة والعظيمة ألقى الأستاذ الدكتور حسن عبد اللطيف الشافعي رئيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية كلمة متلفزة، قال فيها // هذا يوم مشهود من أيام العربية ترفرف فيه أعلامها اعتزازا وابتهاجا بصدور المعجم التاريخي للغة العربية وهي امنية طال انتظارها فكم اشرأبت إليها الاعناق وتعلقت بها الآمال من سدنة العربية ومحبيها، فإنه على امتداد القرن الماضي، الرابعَ عشرَ الهجريِّ (= العشرين الميلاديِّ)، ظلت جماهيرُ المثقفين في الأمة العربية، تتطلع إلى عمل معجم تاريخي، للغتهم الشريفة، وهي إحدى لغات العالم الكبرى، بيد أنها ثقيلة الوزن الفكري والثقافي والعلمي والفني، أسوة بتلك اللغات التي حظي أهلها، ومن يستعملها في أنحاء العالم، بذلك المعجم، على نحوٍ أو آخر.

وعندما اتسعت حركة إقامة “المجامع اللغوية” في أرجاء العالم العربي، وخاصة في دمشق والقاهرة، انتقلت الفكرة من تطلعات الجماهير، ودعوات المثقفين العرب، إلى أيدي متخصصين ذوي خبرة وممارسة للبحث اللغوي؛ التاريخيِّ وغيرِه، من أعضاء هذه المجامع وخبرائها، وعلمائها من الشرق والغرب.

 وتصدى مجمع القاهرة للغة العربية، لهذه القضية اللغوية، فضمَّنَها أولى وثائقه الرسميَّة، فنصَّ مرسوم إنشائه، الصادر في الرابع عشر من شعبان ۱۳٥۱هـ، الموافق للثالثَ عشرَ من شهر ديسمبر لسنة ۱۹۳۲ للميلاد، في المادة الثانية الخاصة بأهداف المجمع، على “أنْ يقوم بوضع معجم تاريخي للغة العربية، وأن ينشر أبحاثًا في تاريخ بعض الكلمات وتغيُّر مدلولاتها”.

 وفي عام ۱۹۳٦ للميلاد، شكَّل المجمع، تنفيذًا للنص السابق، لجنة للشروع في إعداد هذا المعجم، بإشراف المستشرق الألماني، بروفسور فيشر، عضو المجمع، ومضت اللجنة في إنجاز مهمتها، لكن الظروف لم تمكنها من إتمامه فتوقفت بعد حين، ونشر المجمع ما عملته؛ في نطاق حرف الهمزة، وفترت الدفعة الأولى التي شهدتها الفكرة، بقيام الحرب العالمية الثانية.

ثم تحركت الأفكار، وتجدد الاهتمامُ بقضية المعجم التاريخي، خلال العقد الأول من القرن الحالي، وصدرت عدة مؤلفات للغويين العرب، عن طبيعة الموضوع، ومتطلباته، وتجاربه ومشكلاته؛ فشعرت المؤسسات اللغوية ــ من جديدــ بمسئوليتها، إزاء هذا الواجب التاريخي القومي، الذي تتطلع له الأمة، على مدى نحو قرن كامل، وشاء الله ــ عز وجل ــ أن تتجه همة صاحب السموِّ الشيخ العالم، المدقق المحقق “مأمون الأمراء العرب”، المهموم بمصالح أمته الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو ِالمجلس الأعلى حاكمِ الشارقة إلى مشروع المعجم التاريخي، ضمن مشروعاته العلمية المتعددة، التي يقيمها في أرجاء العالمين العربي والإسلامي، وأن يتكفل مجمع الشارقة للغة العربية بكل المتطلبات العلمية والمادية التي وقفت، خلال عقود متوالية، دون إنجاز المعجم المنشود، فأقام سموه أولًا دارًا فاخرة، بل صرحًا علميًّا “لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية” مزودًا بأجهزة العمل، بمدينة السادس من أكتوبر، الضاحية الجنوبية للقاهرة، على أرض قدمتها حكومة جمهورية مصر العربية، ورعى جهود الاتحاد في إقامة الجهاز الضروري، إداريًّا وعلميًّا، على أن يكون العمل تحت مظلة الاتحاد، والجانب العلمي والإشرافي في القاهرة، والجانب التنفيذي ــ بأجهزته العملية، على أرقى مستوى معاصر، وكذا الجانب المالي، في مجمع الشارقة. والكل برعاية سموّه شخصيًّا ــ جزاه الله كل خيرــ مع لجنة علمية مصغرة للمجلس العلمي للاتحاد، ولجنة عليا للتنسيق والمراجعة والاعتماد، بإشراف الأمانة العامة للاتحاد.

هذا الرجل العظيم، الذي يعتبر ــ على علمه وسمو قدره ــ مثالًا للتواضع وإنسانية التعامل والديمقراطية، وتقدير أهل العلم، كما هو شأن العلماء الكبار، أن أوجه إلى سموه الشكر الواجب، والثناء الجميل، والامتنان الجزيل لكل ما بذله ويبذله، وعمله ويعمله //.

 

بعدها استعرض الدكتور امحمد صافي المستغانمي الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة من خلال عرض توضيحي نبذة تاريخية مختصرة عن المعجم ومراحل انجاز الأجزاء الثمانية الأولى منه متطرقا لإحصاءات حول مجموع الاجتماعات التي عقدت ومنهج العمل المتبع وطرق التجهيز التقني والفني لإتمام أعمال تحرير المجلدات وفرق العمل واللجان العاملة ضمن مجامع اللغة المنتشرة في العالم العربي.

 

بدوره أوضح الأستاذ الدكتور مأمون وجيه المدير العلمي لمشروع المعجم التاريخي في كلمة له أمام الحضور تفاصيل العمل التي تكللت وتوجت بإصدار الأجزاء الثمانية من المعجم قائلاً // يطيب لي في البداية أن أتوجه إلى مقامكم الرفيعِ النبيلِ- سيدي صاحب السمو- بآيات الشكر والتقدير والامتنان والإجلال؛ لما قدمتموه وتقدمونه في خدمة لغتنا الشريفة، وديننا الحنيف.

 وسنظل دوما نشكر لسموكم أن تكرمتم فمنحتمونا شرف هذا اللقاء، وشرف التواجد في تلك المعية الكريمة، معيتكم المشرقة المباركة يا صاحب السمو ـ حفظكم الله ورعاكم وستركم بجلابيب الفضل والرعاية والإنعام-.

 جئنا اليوم يا سيدي إلى رحابكم العامرة، إلى شارقة العلم والثقافة والأدب والإبداع، وعلى الرغم من الجائحة الجاثمة على أنفاس العالمين؛ فقد جئنا فرحين مسرورين، مهللين ومكبرين ومهنئين بميلاد المعجم التاريخي للغة العربية، هذا الفتح العلمي المبين الذي كان

 حلما فخاطرا فاحتمالا. ثم أضحى – بفضلكم وبدعمكم وتوجيهاتكم- أضحى حقيقة لا خيالا.

 لقد نهضت يا سيدي عدةُ محاولاتٍ من قبلُ لإنجاز المعجم التاريخي للغة العربية، وكم تطلع الناس إلى برقه واستمطروا سُحُبَه، لكنه كان برقا خلبا وسحابا صائفا، لا ماء فيها ولا رواء، وصرنا في المشرق والمغرب آنذاك نتحدث عن هذا المعجم حديث المتيم عن أحلام اليقظة وأطياف الخيال، وكذلك كنا نراه رؤية الصادي للماء يترقرق مرمى البصر وقت الهجير في البيداء، فإذا جاءه لم يجد شيئا واستيقظ من زيغ البصر، وظل يكابد أوهام الأوام.

 وشاء الله أن تنهض المحاولة الأخيرة لاتحاد المجامع العربية بالقاهرة بفضل رعاية سموكم وتوجيهكم فاستوى المعجم على سوقه ولاح برقه وتتابعت سحبه الهاطلة الهامعة نتاج جهود جبارة بذلت فيه، فقد استغرقت فترةُ الإعداد له أكثر من سنتين، وخضع لتخطيط علمي سديد، وفق المعايير العلمية لصناعة المعاجم اللغوية التاريخية، ولما استقرت صيغته وتحددت ملامحه، تقررت هيكلةُ مشروعِه وحوكمتُه ؛ لينتظم العملُ؛ وكذلك حُدِّدت تُخومه وخريطتُه الزمنية عبرَ خمسةِ أعصرٍ ليس غيرُ، ورُسِمت سياستُه العلميةُ ومنهجيةُ تحريرِه ، وأُنجزت مدونتُه الرقْمية، وشُكلت لجانُه العلمية، في المجامع العربية على السواء. ودُرب المحررون والخبراء على المدونة والصنعةِ المعجمية، ولما اكتمل حسنُ التآدي؛ استُنفرت الطاقاتُ للعملِ وانطلق القطار رغبة في الإنجاز.

 وقد خضعت الموادُّ اللغويةُ المنجزةُ لضروب منوعةٍ من المراجعة والتدقيق، فبدأنا بمراجعات استكشافية توجيهية، وشفعنا ذلك بمراجعات للفرز والتنقية والتصحيح؛ حرصا على الضبط والإتقان ليخرج المعجم مناسبًا مرضيا محققا للآمال المرجوة، وليبقى على الدوام إماما يَـهتدي به من رام الوقوف على تاريخ الألفاظ العربية، وتفاصيلِ رحلتِـها عبرَ العصور، وما طرأ عليها من تغييرات وإضافات.

وها نحن اليوم – سيدي صاحب السمو – نتحدث عن المعجم التاريخي للغة العربية، وبين أيدينا ثمانيةُ الأجزاءِ الأولى منه، فلم يعد حديثُنا عنه حديثَ خرافة بل حديثُ الحق الدامغ واليقينِ الجازم، ولم نعد نتخيله أو نتطلع إلى طيفه، كما اعتدنا من قبل، فقد أصبح حقيقةً ماثلة وآية شاخصة مجسدةً بين أيدينا، تراها العيون رؤيةَ الشمس في رابعة النهار.

 وما كان ذلك ليكون لولا رعايتكم ودعمكم، وإذ نشكر الآن بين أيديكم -يا صاحب السمو- كلَّ من شارك في إنجاز هذا العملِ التاريخيِّ العظيم، فإننا نكرر الشكر لسُمُوكم ونعدُكم بمواصلة العمل والإنجاز. وختاما يسعى الشعرُ إلى حضرتكم شاكراً مهنئاً وهو يقول:

فجر من الشرق بالأنوار يزدان

وغيثه في ربى الأكوان ألوان 

هبت نسائمه في كل مجتمع

ومجمع فعلت للضاد أركان

أحيا الفصيح وأثرى كلَّ مقفرة

ودولة الغيث أنهار وأغصان

في ظلها دوحة العرفان باسقة

والفكر في روضها ذكر وألحان

قرآنها معجم من سر أحرفه

سادت بنو يعربٍ والحكم سلطان

كم آيةٍ بلسان الحال ناطقةٌ

سلطان للعلم والإسلام سلطان

هذي الحمائم تشدو وهي صادقة

العلم في عصرنا يا قومِ سلطان

يا ملجأ اللغة الفصحى وحارسها

وملهم العرب حقا أنت سلطان

يجزيك ربُّك دوما من ذخائره

ثباتَ ملكٍ له عز وسلطان

يتيه بالحب والإخلاص مجمعنا

وأنت أهل له والعشق سلطان .

 

وجاءت بعدها كلمات الحضور تترا لتؤكد على أن هذا اليوم ليوم مجيد من أيام اللغة العربية بقيادة هذا الرجل المبارك صاحب السمو حاكم الشارقة الذي زرع الله في قلبه حب اللغة العربية فرفع شعارها وأعلى منارتها وتكفل بالدفاع عنها والتمكين لها، مشيدين بجهود ودعم سموه في كافة المجالات، ومؤكدين بأن هذا الرجل المبارك هو هدية الله لهذه الأمة، وداعين المولى عز وجل أن يطيل في عمره ويبارك له في عمله وجهده.

 

وفي ختام الحفل الذي شهد الاحتفاء بهذه المناسبة التاريخية المفصلية، تفضل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بتدوين كلمة شكر وعرفان للقائمين على انجاز الذي يؤرخ للغة العربية وعلى صفحات الجزء الأول من المعجم خط فيها // نشكر كل من ساهم في صنع هذا المعجم من اداريين ومحررين ومفكرين ونتمنى أن تكون تلك الأعمال في ميزان حسناتهم ويوفقهم الله لإتمام هذا المشروع العظيم //.

 

وتُؤرّخُ الأجزاء الثمانية الأولى التي تمَّ الكشف عنها لتاريخ المفردات التي تبدأ بحرفي الهمزة والباء، وجاءت في ثمانية مجلدات تعرض تطوّر وتحوّل معاني المفردات ودلالات استخدامها عبر العصور؛ بدءاً من عصر ما قبل الإسلام، والعصر الإسلامي من 1-132 هجري، مروراً بالعصر العباسي من 133 – 656هـ، والدول والإمارات من 657 – 1213هـ، وصولاً إلى العصر الحديث من 1214 هـ حتى اليوم.

 

ويشارك في انجاز المعجم، الذي يشرف عليه اتّحاد المجامع اللغوية والعلمية في القاهرة، عشرة مجامع عربية، ويتولى مجمع اللغة العربية في الشارقة إدارة لجنته التنفيذية، ويستند المعجم في إنجازه على قاعدة بيانات تم جمعها وأتمتتها ووضع منهجيات وأنظمة الرجوع إليها خلال الأعوام الثلاثة الماضية لتضم اليوم قرابة 20 ألف كتاب ومصدر ووثيقة تاريخية باللغة العربية منها نقوش وآثار يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الإسلام.

 

ويشكل المعجم، إلى جانب أنه يبحث ويوثّق لمفردات اللغة العربية، مكتبة إلكترونية ضخمة مكوّنة من أمّهات كتب اللغة والأدب والشعر والفلسفة والمعارف العلمية المتنوعة تمكّن الباحثين والقرّاء بعد الانتهاء من مراحل إعداده كاملة، الوصول إلى آلاف الكتب والمصادر والوثائق يُعرض بعضها إلكترونياً للمرة الأولى في تاريخ المحتوى المعرفي العربي.

 

ويختص المعجم بتوضيح عدد من المعلومات الرئيسة هي تاريخ الألفاظ العربية؛ حيث يبحث عن تاريخ الكلمة من حيث جذرها، ويبحث عن جميع الألفاظ المشتقّة منها وتقلّباتها الصوتيّة، ويقوم يتتبّع تاريخ الكلمة الواحدة ورصد المستعمل الأوّل لها منذ الجاهليّة إلى العصر الحديث مركّزا على الاستعمال الحي للغة، أي أنّه يختلف عن سائر المعاجم السابقة أنّه يستشهد بالنصوص الحيّة قرآنا وحديثا وشعرا وخطبا ورسائل وغيرها.

 

ويكشف تطور المصطلحات عبر العصور، ويرصدُ تاريخ دخول الكلمات الجديدة المستحدثة في اللغة المستعملة، والكلمات التي اندثرت وزالت من قاموس الاستعمال مع ذكر الأسباب المؤثّرة في ذلك؛ حيث يبحث عن تطور الكلمة عبر الزمان وعلى ألسن العرب وغيرهم من المتكلّمين باللسان العربي منذ ما قبل الإسلام إلى اليوم.

إلى جانب ذلك يعرض المعجم تاريخ نشأة العلوم والفنون؛ إذ يبحث في علوم اللسان العربي عن جميع العلوم التي نشأت تحت ظل البحوث اللغوية قديمًا وحديثًا من نحوٍ وصرفٍ وفقه لغة ولسانيات وصوتيات وعلوم البلاغة والعروض وغيرها، ويتوقف عند المصطلحات التي ولدت ونشأت في رحاب هذه العلوم.

 

ويقدّم مقارنات بين الألفاظ في اللغة العربية وبين ما انحدر منها في اللغة العبرية والأكّادية والسّريانية والحبشية وغيرها، وفي هذا المجال تمّ تكليف لجنة متخصّصة برصد أوجه الشّبه والاختلاف بين الألفاظ العربية وما يقابلها في تلك اللغات، وذكر الشواهد الحية التي تدلّ على ذلك مع توثيقٍ للمصادر والكتب التي أُخِذت منها.

 

تجدر الإشارة إلى أنّ المنصة الرقمية التي تمّ إعدادها لإنجاز المعجم تتميّز بسهولة البحث، وسرعة الحصول على المعلومة واسترجاع النصوص وإظهار النتائج في سياقاتها التاريخية، إضافة إلى أنها تشتمل على قارئ آلي للنصوص المصورة، معتمدة على قاعدة بيانات تساعد الباحثين على التعرّف على مداخل كل جذر، ومن ثَمَّ الوصول إلى مبتغاهم في السياقات التاريخية المتنوعة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى