أخبارثقافة

الشيخ راشد بن سعيد ال مكتوم والقوة الإماراتية الناعمة

طالب غلوم طالب كاتب وشاعر اماراتي

ما زال مواطنو دُبي يعايشون ويتلمسون عن كثب إرث الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم – رحمه الله – حيث يتجلى هذا الإرث فى سيرة الوطن ، ومسيرة الشعب و”البيت متوحد” مجسداً فى هذا طموح حاكم دبى وبانيها نحو الارتقاء بأهل دبي إلى أعلى مراتب العزة والرفعة والمجد ، نعم إن الشيخ راشد – رحمه الله – ينتمي إلى هذا النموذج الراقي من الرجال المميزيين فقد تجسدت أعماله وفكره ورؤيته واقعاً ملموساً فى سفر نجاحات دولة الإمارات العربية المتحدة ، وأصبحت من مقومات القوة الناعمة لإمارة دبي ؛بحيث غدت موضع فخر وكبرياء وثناء العالم فى زمن قياسي لم تستطع دول كبيرة فى العالم لها باع طويل فى الاقتصاد والصناعة والثقافة أن تحقق نجاحات مماثلة فيه .
هواياته :
كان الشيخ راشد بن سعيد يمارس هواية واحدة فقط وهي رياضة صيد الصقور فكان يتميز بمهارة القنص التي تتطلب التركيز والصبر ، فبعد عناء العمل الجاد والمتواصل والمثمر الدؤوب كان يقتطع أياما معدودة وسط كل هذا الزخم من العمل والكد فيذهب لمزاولة هوايته المحببة ليجدد نشاطه مرة أخرى ويكون مستعداً لمواجهة التحديات التى تواجهها دبي معشوقته الأولى ، ويكون صافي الذهن بما يسهم فى وضع الخطط والاستراتيجيات التى تتطلبها نهضة دبي ، فكان من المعهود عنه أنه لا يقضي إجازته كلها بعيداً عن هموم الوطن ومواطنيه بل يتخلل تلك الإجازة نوع من العمل المرسوم له بخطة يتفحصها ، ويتكشف أبعادها الاستراتيجية وينظر إليها من جميع زواياها ، فكانت الفترة التى يقضيها الشيخ راشد بن سعيد فى مزاولة هواية الصيد بالصقور فترة هدنة حربية فهي تشبه الفترات التي يمكن أن يستريحها المحارب لينهض بعدها نهضة الخائض غمار الحرب ملبيا لنداء الواجب الوطني ، فبعد كل فترة استرخاء يعود الشيخ راشد إلى الأفكار الكبيرة والخطط والاستراتيجيات والتحديات بعزيمة تسر كل مواطن ومقيم .
الشيخ راشد ولياً للعهد ثم حاكماً لدبي:
كان الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، عوناً لأبيه في شتى المجالات، وخصوصاً في الشؤون الاقتصادية، إذ أسهم في تحسين المعيشة، وهو الأمر الذي أكسبه شعبية وحباً من المواطنين، وتولى – رحمه الله – منصب ولي العهد في الإمارة من عام 1928م، وفي عام 1939 م عُين ولياً للعهد على إمارة دبي ، وفي 10 سبتمبر عام 1958 م توفي المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم، وشاع الحزن في دبي، بل في الساحل كله حزناً على الراحل الكبير ، وقد ملك الحزن قلب الشيخ راشد على رحيل والده الذي ربطته به علاقة مميزة وكان قريباً منه دوماً، وانتقل الحكم بسلاسة إلى الحاكم الجديد ولي العهد الشيخ راشد – رحمه الله – في 4 أكتوبر من العام نفسه واستمر في نهجه الذي اتبعه منذ تعيينه ولياً للعهد في الإصلاح والتطوير وتحسين ظروف الحياة.
القيادة والقوة الناعمة للشيخ راشد:
كان اهتمام الشيخ راشد بن سعيد ال مكتوم بمجلسه كبيراً، فكان عنصراً هاماً من عناصر القوة الناعمة له ، وكان نبراساً مضيئاً في فنون القيادة ، وعوناً للناس ضامناً للجميع خلق وابداع أفضل الحلول للقضايا ومعالجة المشكلات، فقد كان الشيخ راشد يتحلى بالصبر والحلم والأناة فقد كان يصغي لكل رأي أو مظلمة ما جعله قدوة للجميع فى سلوكياته القيادية تجاه حل المشكلات ، ومن تجليات القوة الناعمة التى رسخها الشيخ راشد أنه استطاع فى هذاا لمجلس أن يوفر قاعدة للحوار الحضاري لجميع الشخصيات التى كان يضمها المجلس ، ومن المعروف أن مجلسه كان يضم شخصيات من مختلف الجنسيات، ورجالاً يعتد برأيهم، وكانت تتم في المجلس صناعة مستقبل دبي و دراسة المشاريع دراسة وافية والنظر إليها وإلى مراحل تطورها، مما يؤدي إلى تفهمها التام من قبل أعضاء المجلس.
استشراف المستقبل كعنصر من عناصر القوة الناعمة فى شخصية الشيخ راشد:
قدرة و بعد البصيرة واستشراف المستقبل التي تمتع بها الشيخ راشد بن سعيد تعد من أهم قدرات القوة الناعمة حيث كان – المغفور له بإذن الله – رجلًا ذا عقل راجح وبصيرة نافذة وخيال قوي سخّر وقته وجهده وكل ما لديه لنهضة دبي، فقد استطاع من خلال هذه القدرة أن يستشرف المستقبل حيث وجد أن دبي اشتهرت كمركزاً للتجارة الإقليمية فعضد من أزر التجار بقوله ” ما ينفع التجار ينفع دبي ” فهذه المقولة هي خير دليل على القدرة الاستشرافية التي تمتع بها الشيخ راشد بن سعيد، والتي تعد أحد أهم أركان وعناصر القوة الناعمة الإماراتية ، ويتجلى هذا فى العلاقة الأبدية بين التجار وبين حركة النهضة فى دبي إلى أن صارت دبي لؤلؤة الخليج، وأصبحت درة نفيسة عصماء تروي حكايات نهضتها وتطورها في بلاد العالم أجمع، كيف لا وقد أدركت في سنوات قصيرة من عمر الزمان من التطور والنهضة في مجالات الحياة كلها ما لا يستطيع غيرها إدراكه في قرون. فكل ما قام به راشد وأسلافه من مشاريع وإجراءات إنما كانت رصيداً للمستقبل .
أهم إنجازات الشيخ راشد والتي رسخت القوة الناعمة لدبي:
• فى عام 1972م افتتح ميناء راشد البحري وكان هذا الميناء الضخم داعماً اقتصادياً قوياً لإمارة دبي إضافة إلى أنه رسخ لقوتها الناعمة من خلال التبادل التجاري وما يحمله هذا التبادل بين طياته من تبادل ثقافي بين شعوب العالم . فأصبحت دبي مركزاً تجارياً هاماً بين الشرق والغرب
• اهتم الشيخ راشد بن سعيد بالعمل الخيري لإدراكه التام بأن هذا العمل يعد من أهم مقومات ترسيخ القوة الناعمة لإمارة دبي التي يمكن أن تدعم دبي ،ففى عام 1982 م أنشأ جناح للطوارئ ومجمع لغرف العمليات في مستشفى مدينة بوالبور الباكستانية في البنجاب، كما قام بدعم مشاريع بناء عشرات المساجد والمدارس في أنحاء باكستان وبناء دار للأيتام، ومجمع بوالبور الطبي. وعلى المستوى الشخصي كان الشيخ راشد داعماً للعديد من المشروعات بتقديمه المساعدات المالية لبناء المستشفيات والمساكن في الضفة الغربية وقطاع غزة وأفريقيا وآسيا ودونما ضوضاء أو دعاية.
• كان له مواقف سياسية داعمة للقوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة على وجه العموم وإمارة دبي على وجه الخصوص ، فقد كان له مواقف وطنية تجاه القضايا العربية ويظهر هذا جلياً حين قال :”نتابع باهتمام كبير أنباء القتال الذى يخوضه إخوان لنا على الجبهتين المصرية والسورية فى سبيل تحرير أرضنا المحتلة وكرامة أمتنا وعزتها ودولة الإمارات تضع كل طاقاتها وكل مواردها فى خدمة هذه المعركة” ، ويتجلى أيضاً قوته الناعمة فى قوله :” سنستمر فى تقديم المساعدات للفلسطينين وذلك لأننا نؤمن بان قضيتهم عادلة وهذا من واجبنا”.
• كانت من أهم ملامح القوة الناعمة له – رحمه الله- هو اتباعه لنهج وسياسة تعليم الفتيات وتمكين المرأة فقد واجهت المرأة شيئاً من التحدي المجتمعي فى عهده ، وتحديداً فى الفترة التى شهدت افتتاح مدارس تعنى بالفتيات إذ كان الإقبال ضعيفاً جداً وهذا بدوره أدى إلى قيام مسئولى التعليم بتقديم شكوى للشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم تتعلق بعدم التحاق الفتيات بالمدارس . وبالتالى طلب المغفور له صاحب السمو راشد سعيد آل مكتوم طيب الله ثراه من زوجته ان تلحق بناتهما فى المدرسة ليثمر هذا التوجه عن التحاق الكثير من الفتيات من مختلف مناطق الإمارة بالمدارس سريعاً حذواً ببنات حاكم دبي ، والدليل على ذلك النسب التي تشير إلى انضمام 19 فتاة فى أول سنة فى التعليم النظامي ، وعندما انضمت ابنة المغفور له – بإذن الله – الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم باني دبي الحديثة أصبح العدد 490 فتاة فى مرحلة المدرسة. وختاما : نوضح ان شخصية الشيخ راشد بن سعيد ال مكتوم – رحمه الله – تحتاج الى دراسات ومؤلفات متخصصة تبين قوة وعزيمة وابداعية هذه الشخصية القيادية الفذة ومن هذه الدراسات سمات وصفات وركائز وأركان القوة الناعمة في شخصيته والتي أوصلت مدينة دبي الى العالمية منذ القدم لتصبح اليوم نموذجا عالميا في الريادة في مجال الادارة والجودة والتميز والمال والاعمال والتجارة والمعرفة والابداع والابتكار المستدام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى