إهداءات الكتب.. رسائل أولى لا تُقرأ على عجل
الشارقة الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
إلى بيلار: التي لم تكن قد ولدت بعد، وتأخرت في المجيء “جوزيه ساراماغو” (الذكريات الصغيرة).
إلى مدرّس اللغة العربية الذي قذف دفتر التعبير في وجهي وقال: ستموت قبل أن تكتب جملة مفيدة “أدهم الشرقاوي” (كشّ ملك).
إلى الذين تأخروا في المجيء، تأخروا أكثر لو سمحتم!، لو أمكنني، لعدتُ إلى الوراء أكثر، “نجوى بن شتوان” (وبر الأحصنة). إلى خالد العائد الأول الذي ما زال يسير، “غسّان كنفاني” (ما تبقّى لكم).
عندما نفتح الصفحات الأولى من الكتب، ونطوي تلك البيضاء الواضحة كفاصلة في بداية الحديث، يتبادر إلى أذهاننا هل بدأ الكتّاب في وضع الإهداء قبل الشروع في الكتابة؟ أم جاء الإهداء بعد أن انتهوا من كتابة النصّ كاملاً؟ أم توقفوا طويلاً عند الإهداء ولم يكملوا؟ من الذي سبق الآخر في فكرته؟ وهل بنيت الحكاية كلها على هذا الإهداء؟
لا يوجد سرّ في الإهداءات، الجميل فيها، قيمتها الرمزية الواضحة والمعلنة في الكثير منها، فهي أشبه برسائل تركها أصحابها لتصل إلى غايتها في نهاية المطاف، رؤى وابداعات كُتبت بشكل مختصر ومختزل تصل كرصاصة إلى قلب المقصود، وتمسك القارئ من يده لترشده إلى الحالة العاطفية والوجدانية المقبل عليها في قراءته للعمل.
وفي معرض الشارقة الدولي للكتاب كثيرة هي الكتب التي يمكن أن يعثر عليها الزوّار، تلك التي اشتهرت بإهداءاتها، فما الذي يريده الكاتب من ترك إهداء على صفحة العمل الأولى؟ لا إجابة محددة لهذا السؤال، ربما هذه العبارات رسائل لم تقل يوماً، وربما تكون رسائل قيلت ولم تصل، وربما هي مجرد أحاديث أراد لها أن تكون عنواناً آخراً للعمل، أو وجهاً بديلاً للنصّ، كلها تخمينات، لكنّ هذه الجُمل التي تتصدّر المؤلفات تشبه الأشجار التي تزيّن مداخل البيوت، ترحّب بالزوّار على طريقتها ملوحّة لهم بعبارات مختصرة تحمل في طيّاتها الذهب كلّه.
الكتب التي عادة ما تحمل إهداءً تضيء من صفحاتها الأولى، تمسك القارئ من يده ليجول برفقة نصّ طويل غالباً ما يشرح الفكرة التي تركها كاتبها في البداية، شخصيات، مواقف، أحداث، وربما كلمة واحدة، أو حتى بياض فالكثير من الإهداءات كانت غامضة لا يعرف أصحابها إلى أين هي ذاهبة، مختصرة، شائكة، ومرتبكة، وأخرى واضحة، لكن الشيء الوحيد الذي نلمسه في تلك العبارات هو أنها الدفقة الأولى من الحكاية، والخيط الأول والرفيع الذي يعلق في الذاكرة.