“سكة 2019” يقدّم مزيجاً ملهماً من الثقافات والاتجاهات الفنية
تجسيداً لشعاره - نافذة الفن والتسامح
دبي الإمارات العربية المتحدة
سلام محمد
أيام قليلة فقط تفصلنا عن انطلاق “معرض سكة الفني 2019″، الحدث الفني الأبرز الذي تنظمه هيئة الثقافة والفنون في دبي (دبي للثقافة)، تحت مظلة “موسم دبي الفني”. ويتصدر هذا المعرض سنوياً المشهد الفني في الإمارة، بمشاركة نخبة متنوعة من الفنانين، مع تقديم باقة متنوعة من الإبداعات الفنية، وعروض الأداء والفن التشكيلي، والعروض الموسيقية والسينمائية، وورش العمل، ومجالس الشعر والحلقات الحوارية، وغيرها الكثير من الأنشطة التي تقام على مدار أسبوع حافل بالإبداع خلال شهر مارس.
ويقام المعرض هذا العام بنسخته التاسعة تحت رعاية سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس هيئة الثقافة والفنون في دبي (دبي للثقافة)، وهو أول مبادرة سنوية من نوعها تركز على دعم وعرض أعمال الفنانين الإماراتيين والمقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي عموماً. ويتماشى المعرض مع رسالة “دبي للثقافة” الهادفة إلى تشر السعادة في المجتمع، والإسهام في بناء مجتمع مستدام متعدد الثقافات، وحفز تطوير القطاعات الإبداعية.
هذه الدورة من المعرض ترفع شعار “نافذة الفن والتسامح”، تجسيداً لمضمون مبادرة “عام التسامح”، حيث تمت دعوة نخبة من الفنانين لتقديم إبداعات وعروض فنية، تسلط الضوء على قيم العيش المشترك والحرية والتنوع الثقافي التي تجسدها دبي، باحتضانها أكثر من 200 جنسية من شتى أنحاء العالم.
عالم من الفن ضمن المعرض:
استقطبت الدورة الحالية من المعرض ما يزيد على 400 طلب مشاركة، زبعد تقييمها تم انتقاء 48 فناناً ناشئاً، ليتم توجيه الدعوات لهم لتطوير أبحاثهم الفنية حول موضوع المعرض. ومن بين هؤلاء، يشارك 23 فناناً إماراتياً يشكلون ما نسبته 48% من إجمالي عدد المشاركين، إضافة إلى فنانين آخرين من العالم العربي، مثل الأردن وسوريا وفلسطين، ويمثلون 19%. ويشارك أيضاً فنانون من الهند وباكستان بنسبة 17%، وهناك فنانون من أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وأمريكا الجنوبية، واستحوذوا على نسبة 16%.
هذه الباقة المتنوعة من الفنانين تعدّ دلالة على التزام المعرض بتوفير منصة للفنانين الناشئين، ومنحهم فرصة استثنائية لعرض إبداعاتهم الفنية، وعرضها أمام عشاق الفن حول العالم.
قصص النجاح:
يعود إلى “معرض سكة الفني” هذا العام بعض فنانيه الأوائل الذين نجحوا في اكتساب شهرة فنية واسعة بعد مرور سنوات على أولى مشاركاتهم فيه، ومن بين هؤلاء الفنانة
خولة درويش.
كانت خولة فنانة ناشئة عندما شاركت في “سكة” لأول مرة، واليوم تسجل حضورها للمرة الخامسة بعدما أصبحت واحدة من أشهر فناني المعرض. وتقول خولة بهذا الخصوص: “يشكّل ’سكة‘ منصة متميزة لتسليط الضوء على إبداعات الفنانين المقيمين في الإمارات، حيث يتيح لهم فرصة رائعة لعرض أعمالهم في مكان بمتاز بالأصالة ويجسد عبق التاريخ”.
وتعرض هذه الفنانة الإماراتية منحوتة فنية ستلهم عقول وخيال الزوار للتفكير بالمعنى الجوهري للحياة نفسها.
ويشاركها هذه الرؤية غيرها من فناني “سكة” الذين ينظرون بعين الرضا والتقدير للدور الذي يلعبه المعرض، كمنصة تجمع الفنانين على اختلاف ثقافاتهم واهتماماتهم الفنية.
وقالت درويش في هذا السياق: “يمكننا البوح بأفكارنا وترجمتها إلى واقع ملموس من خلال أعمالنا الفنية، والجميل في معرض ’سكة‘ أنه لا يقام ضمن صالة عرض مترفة تؤمها نخبة محدودة من الحضور، وإنما يقام في واحد من أقدم أحياء دبي، حيث يرحب المكان برواده من المواطنين والمقيمين والسياح، ليمنح الفنانين فرصة لتحقيق انتشار أوسع بين شرائح متنوعة من الجمهور”.
ويعود إلى المعرض أيضاً الفنان الإماراتي أحمد العنزي الذي يشارك فيه للمرة الثانية بعمل فني مستوحى جزئياً من رحلة نظمتها “دبي للثقافة” إلى باريس العام الفائت.
وقال العنزي: “يوفر ’سكة‘ فرصة مهمة للفنانين لتقديم أعمالهم في بيئة خالية من أي قيود، ولا يلقون فيها بالاً لضغوط النجاح التجاري. وإلى جانب ذلك، فإنه يشكل منصة مفتوحة أمام الجميع للدخول في حوار مع المجتمع الابداعي حول أساليب التعبير الفني”.
ويعتقد العنزي أن مشاركاته السابقة كانت مفيدة جداً، ويعرب عن ثقته بدورة هذا العام، لأنه ستتيح للتعابير الفنية الانطلاق بحرية في عالم أرحب، كما تفتح باباً أوسع للحوار بين الفنانين من جهة، وبين عامة الجمهور.
وفي سياق حديثه عن موضوع المعرض، قال العنزي: “لطالما كانت الإمارات أرضاً للتسامح، وتواصل التأكيد على هذه السمة المتميزة من خلال احتضانها جميع الثقافات. ويحتفي عملي الفني بالتنوع، كما أنه يتحدى الصور النمطية. وبالنسبة إليّ، أرى أن التسامح يكمن في احتضان التنوع؛ وهذا المفهوم ينسجم تماماً مع عنوان المعرض”.
فنانون ناشئون بطموحات كبيرة:
تقول الفنانة الإماراتية جمانة الهاشــمي التي تشـارك للمرة الأولى في “معرض سكة الفني”: “يجمع المعرض أناساً من خلفيات متنوعة، لكن حب الفن يوحدهم ويجمع بينهم، لأنه يربط بين التقاليد والحداثة، ويشكل منصة رائعة للمواهب الشابة المحلية والإقليمية، فضلاً عمّا يوفره لهم من فرصة رائعة، لمشاركة وعرض أفكارنا الإبداعية ليحتضنها هذا الحي التاريخي النابض بالعراقة”.
ويجمع العمل الفني الذي تشارك به الهاشمي في معرض “سكة” هذا العام بين الصناعة اليدوية مع العمليات الميكانيكية، كما تستعرض الطقوس التقليدية بطريقة غير مألوفة.
ومن زائرةٍ لمعرض سكة الفني إلى فنانة مشاركة فيه، قالت الفنانة الباكستانية- الأمريكية أسماء شكوه: “اعتدت زيارة هذا المعرض، ولطالما استمتعت بتنوعه الفني الثري. لقد أثار انتباهي موقعه الاستراتيجي لاستضافة المعرض، وسعيه لاستقطاب الأشخاص الذين لا يقصدون عادةً المعارض أو المتاحف الفنية”.
وتأمل شكوه أن يطرح الفنانون هذا العام “أسئلة جوهرية، وأن يؤسسوا علاقات هادفة، ويتيحوا للجمهور الاندماج فيه ليكونوا جزءاً من الحدث”. وتؤمن أيضًا أن الفنانين قادرون على إحداث التغيير الإيجابي المطلوب.
وأضافت شكوه: “أرجو أن يواصل المعرض إيصال الفن للجميع، والتركيز على الموضوعية والتفاعلات العاطفية، وإبراز أوجه الاختلاف انسجاماً مع موضوعه الرئيسي”.
ويتمحور موضوع عمل شكوه الفني حول العلاقات بين الفنان والمدينة، حيث تتبنى من خلاله تجربة دبي في احتضان ثقافات متعددة، ويتضمن عملها في وسائطه استخدام خرائط النقل العام.
وتعلق شكوه على مشروعها بالقول: “كرّس هذا المشروع ارتباطات اجتماعية كان لها تأثير نفسي مهم بالنسبة إليّ كمقيمة حديثة في دبي. وأرجو أن تحظى الخريطة المفصلة والمألوفة لمدينة لدبي، التي أقدمها كعمل فني ضمن ’معرض سكة‘ بالإعجاب، وأن تصبح أيقونة متميزة وتكتسب الشهرة بين أعمالي”.
وفي مشاركتها الأولى أيضاً، تقدم الفنانة الأردنية فرح عبدالهادي – وهي من أشد المعجبين بمعرض سكة الفني – مشروعاً متميزاً، يسلط الضوء على وسيلة نستخدمها يومياً؛ وهي العملة الورقية التي تعتبرها بمثابة “بطاقة تعريف بالدولة”.
وبالحديث عن توقعاتها، قالت فرح: “إنها مشاركتي الأولى في هذا المعرض المتميز الذي طالما أثار إعجابي بطيفه المتنوع من المواهب الفنية المشاركة من الإمارات والعالم. إنني أشعر بالتفاؤل بأن تكون نسخة هذا العام تحديداً الأكثر استقطاباً للمواهب، لاسيما وأنها تدعم محاور ’عام التسامح‘،وتسلط الضوء على الدور الرائد لدولة الإمارات في غرس قيم العيش المشترك والانفتاح والسلام عبر جميع المجالات”.
وتصف فرح مشاركتها في المعرض بأنها حلم يتحقق، وتقول بأنه يلعب دوراً أساسياً في حفز نمو القطاعات الابداعية.
عائدون بمنتهى الفخر والشغف:
هناك عدد جيد من الفنانين الذين يعاودون المشاركة في المعرض هذا العام، ومنهم الفنانة البوسنية سلمى كاتوفيك هيوز التي تقدم عملاً تركيبياً فنياً بعنوان “آي إم بيرفيكشن” (.M.PERFECTION).
وقالت هيوز: “مع تنامي الدعم والفرص المتاحة في المشهد الفني لدولة الإمارات، يمكن للفنانين الناشئين والمعروفين أيضاً توسيع نطاق مشاركاتهم في المنصات الإبداعية، ومواصلة شغفهم الفني من خلال الفعاليات المهمة مثل معرض سكة الفني”.
توقعات التواصل:
تعد هذه المشاركة الأولى للفنان الهندي كابيل بيميكر، وهي أيضاً زيارته الأولى إلى دبي. ويبدي بيميكر حماسة كبيرة للمشاركة في هذا المعرض الذي يعتبره منصة رائدة لأمثاله من الفنانين.
وقال بيميكر بهذا الصدد: “هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها ’سكة‘ وأشارك فيه. وأتوقع مشاهدة الكثير من الأعمال المتميزة حول موضوع المعرض مع كل هؤلاء الفنانين المتميزين الذين تم انتقاؤهم من جميع أنحاء الإمارات والعالم. وانطلاقاً من أهمية الفن باعتباره أداة التعبير الأقوى لدى البشر، يوفر ’سكة‘ للفنانين المنصة التي يحتاجون إليها للتعبير عن أنفسهم عاماً تلو الآخر”.
وللمرة الأولى أيضاً، تشارك الفنانة الرومانية ميورا كوروزيل تشيركي والفرنسية فلور أنطوان آندرماير في المعرض، وكانتا قد التقيتا قبل عامين في الإمارات التي يعتبرانها مصدر إلهام كبيرًا لهما.
وتجمع الفنانتان على أنهما شعرنا برغبة كبيرة للتعاون معاً، وأدركتا على الفور أن ’سكة‘ سيكون المنصة الأمثل للتعبير عن رؤيتنا الفنية، لأنهما تعتقدان أنه يمثل تجسيدًا حيًا لشغفهما بالتراث، خاصة لتنظيمه في حي الفهيدي التاريخي، الأمر الذي حفزهما على تبني المفاهيم المعاصرة في أشكال ومفاهيم إبداعاتهما.
وتقدم الفنانتان عملاً فنياً يجمع بين التركيب والأداء والعمل التشاركي ضمن عمل واحد، يعكس طاقة الحياة وترابط موجوداتها؛ وتتطلعان لمشاركة هذا العمل الإبداعي مع جمهور “معرض سكة الفني”.
وينسجم معرض “سكة” مع مساعي دبي للثقافة الرامية إلى إثراء المشهد الثقافي لإمارة دبي، ولفت الانتباه إلى الثقافة الإماراتية الغنية. وتسعى الهيئة إلى مد جسور الحوار البنّاء بين مختلف الحضارات والثقافات لتعزيز مكانة دبي كمدينة عالمية خلاقة ومستدامة للثقافة والتراث والفنون والآداب، وتمكين هذه القطاعات عبر تطوير المشاريع والمبادرات الإبداعية والمبتكرة محلياً وإقليمياً وعالمياً.